قصة رعب قصيرة بعنوان ... (عباس)
قصة رعب قصيرة بعنوان ... (عباس –
الجزء الأول)
-
توقف يا (عباس) ... إرحل من هنا أيها الملعون!
-
ماذا فعل (عباس)؟
-
تقصد ما الذي لم يفعله؟ ... فحصيلة اليوم فقط، التهام
جزء من حذائي، والتبول على السجادة الجديدة، وتمزيق وسادة من وسائد الأريكة، وسرقة
دجاجة نيئة من على طاولة المطبخ.
-
إذا أردت، يمكنني أن أخلصك منه.
.
...(هي)...
قالها زوجي وهو يتصنع اللامبالاة،
وأعلم يقينا أنه يكره (عباس) ويتوق للتخلص منه، والذي يمنعه فقط هو خوفه من غضبتي
... (عباس) هو قطي وحيواني الأليف الأول، حصلت عليه قبل زوجي بأعوام! وكان بعدها
هر صغير حديث الولادة (عباس لا زوجي) ... ربيته وهذبته حتى كبر، فأخذته معي إلى
بيت الزوجية منذ أول يوم لي فيه!.. حينها تبدل سلوكه وتحول إلى شيطان صغير يؤرق
علي حياتي بتصرفاته الكارثية ... لا أعرف ما الذي حدث له؟ وكيف تحول من قط لطيف،
مهذب، إلى كائن شرير، شقي، متمرد؟.. أتسائل هل لزوجي علاقة بذلك؟ هل تأثر (عباس) به
وبسلوكه؟ في الغالب هناك سبب آخر، فالتحول الذي حدث (لعباس) يفوق بمراحل تلك المشاكل
السلوكية التي يتصف بها زوجي كمعظم الرجال في هذا العالم ...
(عباس) قط ناحل من النوع (البلدي) لونه
خليط من الأسود والأبيض، حاولت أن أتعرف على أصله ونسبه، فأخبرني خبير القطط أن
جده قد يكون من النوع الفرعوني، تزاوج مع قطة رومية، وتناسل نسلهما مع قط (الماو)
المصري وقطط من أنواع أخرى عبر أجيال طويلة، حتى وصلنا إلى هذا الجيل الذي يحمل
صفة جينية من كل نوع معروف من القطط؛ الملخص أنه قط (بلدي) آخر ... و(عباس) قط
خارق الذكاء يفعل أشياء يعجز عن فعلها بعض البشر، فهو يستطيع فتح الثلاجة لو لم
أغلقها بالمفتاح، ويستطيع أن يصب الماء لنفسه في آنيته، ويستطيع فتح الأبواب
بالقفز على مقبضها وتحريكه، وبالتالي يمكنه الخروج من الشقة وقتما يشاء لقضاء بعض
المشاوير والمهام القططية الخاصة، وعند عودته يضغط جرس الباب من الخارج لتنبيهي بقدومه،
وكثير من ألأشياء الأخرى التي كنت أبهر بها الناس طوال الوقت، وصرت أضيق بها
وبصاحبها مؤخرا.
.
...(هو)...
الحياة مع زوجتي ليست سيئة بحال، قد يكون
فيها نفس الطباع السلبية الموجودة في كل النساء ولكننا معشر الرجال نستطيع التعايش
معها ... مشكلتي الوحيدة هي أنني لم أتزوجها وحدها بل تزوجت معها أيضا ذلك القط
البغيض المدعو (عباس)، والذي كان حاضرا معنا منذ الليلة الأولى، ليلة الدخلة! ...
(عباس)!!! ما هذا الاسم!؟ ... تقول زوجتي أنها في اللحظة الأولى التي رأته فيها
أدركت أنه (عباس)!.. ما هذا الكلام!؟ عجبا للنساء ولطريقتهن في إيجاد منطق لأشياء
خالية تماما من المنطق ... في البداية قالت لي زوجتي أن (عباس) قط لطيف، ومهذب،
وذكي أيضا، وأرتني بعض المهارات الخاصة التي يمتلكها، وأدهشني ذلك بالفعل وإن لم
تعجبني نظرات ذلك القط لي من اللحظة الأولى، من الواضح أنه يكرهني، وبشدة.
بالأمس خرج (عباس) من المنزل كعادته
ليعبث مع قطيطات الحي وهو لا ينتظر منا إذنً بذلك، هو فقط يفتح باب الشقة ويغادر كأي واحد مننا، علينا فقط
أن ننتبه لمغادرته فنغلق الباب وراءه ... عند منتصف الليل كان النوم قد بدأ يداعب جفوني،
وبدأ جسدي يرتخي توطئة لأن أغيب في النوم أخيرا، عندها بدأ الجنون؛ صراخ ومواء
أمام باب الشقة وأجساد ترتطم به، فزعت أنا وزوجتي وقمنا مسرعين لنفتح الباب، فاندفع
(عباس) إلى داخل الشقة ومن ورائه قط عملاق منتفش الفراء طارده إلى ركن منها ثم بدأ
ينكل به، كان (عباس) النحيل يحاول الدفاع عن نفسه أمام هذا الوحش ولكن دون جدوى، فنال
منه علقة ساخنة ... تدخلت زوجتي بالمقشة وهي تحاول الفصل بينهما، فاضطررت أنا أيضا
للتدخل رغم أن ما يحدث كان يروق لي بالفعل ... وبعد جهد جهيد، ومطاردات طويلة
وضربات من المقشة، وزجاجات المياة التي تم سكبها على المتصارعين، نجحنا أخيرا في
انتزاع (عباس) من بين براثن هذا القط المتوحش وطرده من الشقة ... نظرنا أنا وزوجتي
في حسرة إلى الشقة التي تحولت إلى حطام، وفي لوم وإلى (عباس) الذي تغطى جسده بالأوساخ
المختلطة ببعض الدماء التي خلفتها ندوب العلقة الساخنة ... قلت لزوجتي متصنعا
(اللامبالاة) وأنا أعرف ردها مقدما:
-
إذا أردت، يمكنني أن أخلصك منه.
في اليوم التالي بعد أن أولت زوجتي لهذا
اللعين عناية خاصة استعاد عافيته وعاد يعيث في البيت الفساد ... كان يتقافز حولي
وأنا أتابع التلفاز ويخمش حذائي بغل، فركلته ركلة قوية أطاحت به حتى آخر الردهة، دون
أن تنتبه زوجتي التي كانت في المطبخ حينها، فماء بغضب، فجاء صوتها:
-
هل أنت بخير يا (عباس)؟
فأجبتها نيابة عنه:
-
إنه بخير ... ولكن جائع، مثلي.
رد لي (عباس) الكيل في الليلة نفسها،
عندما أويت إلى فراشي لأجد على وسادتي قطعة من (الشيكولاتة)، يبدو أنها مفاجأة
جميلة من زوجتي الحبيبة، فهي تعلم عشقي (للشيكولاته) ... أمسكت بها فتعجبت من قوامها
اللذج، قبل أن اكتشف الحقيقة الكريهة، هذه ليست (شيكولاته)، فصرخت:
-
(عباس) ... أيها الحقير!
فجاوبني مواؤه الراضي من الصالة ...
فكرة واحدة تسيطر علي الآن، يجب أن أتخلص من هذا اللعين وبسرعة!
.
...(هي)...
أعرف أن زوجي لا يحب (عباس)، وأشعر أن
(عباس) أيضا لا يحبه ... أصبحت العلاقة بينهما متوترة ومحتقنة في الفترة الأخيرة، أعيش
دائما وسط حالة من التراشق بينهما على غرار فيلم (عنتر ولبلب) ... بالأمس لمحت
زوجي وهي يعتصر (عباس) بين يديه ويرجه كأنه زجاجة مياة غازية، وعندما صحت فيه:
-
ماذا تفعل؟
أجاب بصوت مختنق:
-
لا شئ ... أنا فقط أداعب هذا القط اللطيف مداعبة بريئة.
ثم طوح به إلى آخر الغرفة، وهو يرسم ابتسامة
مصطنعه على وجهة، قائلا:
-
هوبااا ... كوتييي!
ثم تحول إلى وقبل أن يلقي عليه عرضه
المتكرر، قاطعته وأنا أقول:
-
لا ... لا أريدك أن تخلصني منه.
الحق أن زوجي على شئ من الصواب! وهو شئ
لا تعترف به أبدا أي زوجة محترمة لزوجها، فنحن نعرف الرجال وردة فعلهم المبالغ
فيها إزاء الاعتراف لهم بصواب الرأي في أي موضوع، (فعباس) كان سئ الخلق بحق،
وحالته تزداد طرا مع الوقت، وكأنه يحاول استفزازنا لسبب لا أعلمه ... أفكر أحيانا
أنه قد جن، قال لي خبير القطط، أن علي تزويجه، وأن أجلب له قطة لتؤنس وحدته فقد
يحسن هذا من سلوكه وتصرفاته ... لا أجروء على طلب هذا من زوجي وإلا سيكون مصيري
أنا و(عباس) ورفيقته الطرد من المنزل بعد أن يطلقنا جميعا! فأعصاب زوجي لن تحتمل
المزيد من القطط!.. سيكون على (عباس) أن يكتفي بمغامراته العاطفية في الخرابة التي
تواجه منزلنا، وسيكون عليه أن يتحمل تلك العلق الساخنة التي ينالها من منافسيه على
قلوب فاتنات الخرابة من القطط.
(عباس) ليس الطرف الأضعف في معركته مع
زوجي، فهو يرد الكيل في كل مرة بأكثر منه، ولولا تدخلي لحمايته بعد كل مصيبة
يفعلها في زوجي وحاجياته لفتك به هذا الأخير، فكلمات على غرار، كبد رطب، مخلوق
أعجم، حيوان مسكين لا يدرك تبعات ما يفعله، كانت دائما تفلح في تهدئة زوجي الطيب وتنجي
(عباس) من بين براثنه ... بالأمس كنت نائمة على الفراش بجانب زوجي الذي غاب في
النوم وانتظم تنفسه، فجأة تغير إيقاع ذلك التنفس المنتظم وتحول إلى صوت لهاث، ثم صوت
حشرجة واختناق ... التفت إلى زوجي فزعة، فوجدت (عباس) يجثم على صدره ويرخي مؤخرته
على أنفه وفمه، فصرخت فيه ودفعته بيدي فسقط عن الفراش ثم بدأ يتحرك في خيلاء إلى
خارج الغرفة وهو يحرك ذيله مغيظا ... عدلت رأس زوجي فعادت أنفاسه إلى الانتظام من
جديد ... لا أقول أن هذه كانت محاولة للقتل، فبالتأكيد كان زوجي سيستيقظ من نومه
عندما يشعر بالاختناق رغم نومه الثقيل كالليل، فأنا قرأت في إحدى المقالات أن منع
شخص نائم من التنفس سيؤدي حتما إلى إيقاظه ... لا أعرف هل قرأ (عباس) هذا المقال وهو
يخطط إلى فعلته تلك أم لا!
كمحاولة مني لفصل القوات، وإعلان هدنة
مؤقتة على أرض المعركة، طلبت من أمي أن تستضيف (عباس) لأسبوع في منزلها، فوافقت
... وبالفعل ذهبت في الصباح إلى منزل والدتي في الضواحي وتركت (عباس) في عهدتها
وعدت إلى منزلي ... انتظرت عودة زوجي من عمله لأبشره بأننا سنقضي أسبوعا في المنزل
وحدنا دون (عباس) ... وفي الموعد سمعت رنين جرس الباب وأنا في المطبخ، فألقيت
(مريلة) المطبخ والمغرفة جانبا، وهرعت لأفتح الباب وأنا أحمل البشرى على وجهي ...
ليطالعني بمواء طويل كأنه سبه، ثم يدخل البيت متبخترا ويلحقه بمواء آخر يبدو أنه
سبة أخرى، ويقفز على أريكته الأثيرة في الصالة، يتمطى وهو يغرز مخالبه في وسادتها ثم
يتكور على نفسه ويستقر عليها!!! بالطبع لم يكن هذا هو (زوجي) ... كان هذا هو
(عباس) بعد أن فر من منزل أمي ليقطع أميال عدة ويعود إلي المنزل رافضا الهدنة.
.
...(هو)...
قرار نهائي، سأتخلص من هذا اللعين مهما
كان الثمن ... أشعر أن زوجتي أصبحت مؤهلة الآن لتقبل ذلك، وأشعر أنها لن تمانع
كثيرا، قد تحزن قليلا ولكنني استطيع تعويضها وأجعلها تنسى هذا القط البغيض وبسرعة
... بالأمس عدت إلى المنزل بعد العمل فكان باب البيت مفتوحا، وعندما دخلت وجدت
زوجتي تقف في منتصف الصالة تنظر إلى (عباس) بضيق وغضب، وعندما سألتها عما بها؟
حاولت التهرب ... أنا أعرف ما بها، إنها تفكر مثلي في التخلص منه ولكن ضميرها
يزعجها، أما أنا فضميري سيصفق لي طربا إذا فعلتها... ولكن للحرص سأفعلها دون علم
زوجتي، وسأريح ضميرها بأن أوهمها أنه قد هرب بعد أن وجد وليفته المنتظرة، القادرة،
على أن تنسيه أهله أخيرا، وأطالبها بأن تتمنى له حياة سعيدة بعيدا عن كنفها بعد أن
منحته حنان الأم لسنوات طويلة ... ستكون الفرصة المناسبة غدا، عندما تذهب زوجتي
لقضاء ساعات النهار مع أمها كعادتها أسبوعيا، حينها سأتملص من عملي لساعتين وأعود
للمنزل فأحمل هذا اللعين في حقيبة جلدية وألقيه خارج المدينة.
في اليوم
التالي، نفذت الخطة بحذافيرها، ورغم المقاومة التي أبداها (عباس) والجرح الذي خلفه
في يدي وأنا أغلق عليه الحقيبة الجلدية، إلا أنني كنت عازما على المضي فيها حتى
النهاية، فكل شئ يهون من أجل حياة زوجية لا يوجد فيها (عباس) ... عدت إلى العمل
وقضيت المتبقى لي من ساعاته وأنا أصوغ الكلمات الرقيقة التي سأخفف بها عن زوجتي
عندما تكتشف أن (عباس) قد ذهب بلا عودة ... رجعت إلى المنزل، وفتحت الباب بالمفتاح
ودخلت بحذر، أسمع صوت زوجتي قادما من غرفة النوم، إنها تضحك وتتحدث إلى شخص ما
بدلال ... وكأي رجل شرقي عندما يوضع شرفه محل اختبار، توقف عقلي عن العمل وغاب
تماما وحلت محله غريزة الفتك بالآخرين، فأصبحت هي التي تقودني الآن ... اقتربت من
غرفة النوم بخطوات متحسسة حتى لا ينتبها لقدومي، أنا أرسم السيناريوهات المحتملة
في ذهني الآن، سأقتله ثم أقتلها ... لا سأقتلها ثم أقتله! ... دفعت الباب بقوة
وأنا أقول:
-
(مسكتك) ياخا ...
توقفت الكلمات على لساني وأنا أرى زوجتي
في الفراش وبصحبتها قطها الغير أليف (عباس)، تلاعبه، وهو يصدر خريرا راضيا، كيف
تمكن هذا اللعين من أن يسبقني إلى المنزل ويفاجئني بعودته؟.. كيف فعلها؟ ... طالعتني
نظرات زوجتي المستنكرة، فقلت مصححا خطئي بسرعة، قائلا:
-
(مسكتك) يا حبيبتي ... أوحشتني.
ثم تناولت منها (عباس) وألقيت به إلى
خارج الغرفة في غل وأغلقت الباب، وأنا أردف:
-
قط ظريف!
كررت المحاولة وحاولت التخلص منه مرات
وأنا أزيد المسافة في كل مرة، وفي كل مرة كان (عباس) يجد طريقه إلى المنزل! لا
أعرف كيف يفعلها!.. في المرة الأخيرة استغرقه الرجوع إلى المنزل نهارً كاملا حتى
أنني شعرت بالأمل للحظات، قبل أن يطرق ذلك اللعين الباب ويدخل متنطعا، وهو ينظر لي
بكراهية ... نصحني صديق لي نصيحة سديدة:
-
أقتله.
-
أليس ذلك محرم شرعا؟
-
قتل الحيوان المؤذي، حلال شرعا ... ومن حكاياتك عنه فإنه
بالتأكيد قط مؤذي.
-
معك حق.
احتجت وقتا حتى أهضم تلك الفكرة،
وساعدني (عباس) مشكورا على ذلك بتصرفاته القبيحة طوال الوقت ... كانت الخطة بسيطة للغاية،
سأضع له سما في الطعام وسيتناوله بالتأكيد بشراهته المعروفة، وعندما تفارقه روحه
السمجة، سأحمله وأدفنه بعيدا ... سأنتظر اليوم الذي تذهب فيه زوجتي لأمها كالعادة.
وفي اليوم الموعود فعلتها، استشعرت بعض
الشفقة عليه في البداية وهو ممد على الأرض أمامي بعد أن تناول السم، ولكنها غابت بعدما
تذكرت بعض أفعاله الحقيرة معي ... علي الآن أن استكمل باقي الخطة وأن استحضر بعدها
كل قدراتي التمثيلية لأرسم على وجهي علامات البراءة والتعاطف أمام زوجتي عندما
يروعها اختفاء قطها الأثير.
في المساء قضيت وقتا طويلا وأنا أخفف
عن زوجتي التي أقلقها غياب (عباس) ليوم كامل، كنت أحاول طمأنتها بأنه سيعود كما
يفعل كل مرة، غدا سأغير الاستراتيجية وأخبرها بنظرية الوليفة التي أنسته أصحابه، ورغبته
في استكمال حياته بعيدا عنا، وأنه علينا أن نواصل نحن أيضا من دونه وأن نتمنى له
الخير في المكان الذي آل إليه.
أويت إلى الفراش مبكرا في تلك الليلة،
أشعر بالقليل من وخز الضمير على فعلتي التي فعلتها اليوم، سرعان ما يتبدل إلى شعور
آخر بالراحة والرضا لتخلصي من هذا الشريك المخالف أخيرا ... خليط غريب من المشاعر
ولكنه حقيقي وظل يعتمل في باطني حتى غبت في النوم أو كدت أفعل عندما انطلقت صرخة
زوجتي الملتاعة تأتي من ناحية الصالة ... قفزت من فراشي وانطلقت أعدو في الردهة
متوجها ناحية الصالة وذلك الخدر يسيطر على أعضائي ويجعلني أتطوح كالسكير، ويشوه الموجودات
أمام ناظري ... عندما وصلت كانت زوجتي تقف هناك وهي توليني ظهرها، فصرخت بها:
-
ماذا بك؟ هل أنت بخير؟
فالتفتت إلي، وعلى وجهها إمارات الفرحة
والسعادة، وهي تحمل (عباس) حيا يرزق ويموء في رضا بين يديها، وهي تقول بانفعال:
-
لقد عاد ... لقد عاد.
لحظات من عدم التصديق والذعر
والقشعريرة الباردة تعتمل في عقلي وجسدي ... أحاول التفكير في رد فعل مناسب
كالصراخ أو السباب أو جلب سكينا من المطبخ لأذبحه به، لولا ذلك الخدر الذي مازال
يسري في جسدي من أثر النوم ... التقت عيناي بعينيه، فسرى بينهما تيار من الكراهية والغضب ... صرخت في ذهني
متسائلا ... لقد قتلتك بيدي هاتين، لماذا أنت مصر على البقاء حيا أيها اللعين؟
.. (انتهى الجزء الأول ويليه الجزء
الثاني والأخير) ..
قصة رعب قصيرة بعنوان ... (عباس – الجزء الثاني و الأخير)
...(هي)...
أعلم يقينا أن زوجي كان يحاول التخلص
من (عباس) في الأيام الماضية ... عرفت ذلك عندما لاحظت أنه في اليوم الذي أذهب فيه
إلى أمي يختفي (عباس) تلقائيا، وتظهر بعدها علامات الرضا على وجه زوجي طوال النهار،
قبل أن تتحول إلى دهشة، وخيبة أمل، وحسرة، عندما يعود (عباس) إلى البيت في آخر
النهار ... في المرة الأخيرة بدت الدهشة مضاعفة على وجه زوجي وهو يراني أحمل
(عباس) الضال بعد عودته، لقد بدا كأنه يرى شبحا ... أسأل نفسي، إذا كنت أعرف كل ذلك،
فلماذا لا أتدخل وأحاول منعه؟.. هل أصبحت أضيق (بعباس) أنا الأخرى، وأتمنى رحيله؟..
قد تكون تلك هي الحقيقة، ولكنني لا أصارح نفسي بها، وانتظر أن يحدث ذلك بعيدا عني
حتى أريح ضميري.
ساءت الأمور كثيرا بعد ذلك ... (فعباس)
صار يغيب لفترات طويلة، أبحث عنه في المنزل وحوله فلا أجده أبدا ... ولا يظهر إلا
بعد عودة زوجي إلى المنزل، يظهر كأنه نما من العدم! يقف مترصدا زوجي ومبادلا أياه
نظرات الكراهية ... أما زوجي فعلى العكس، أصبح يتحاشاه ويتجنبه تماما، وتوقف عن
ركله، والإطاحة به في أرجاء المكان، ومحاولة خنقه ... كان إذا خلا المكان إلا من
كليهما نادى علي بسرعة وعصبية وطلب مني أن آخذ (عباس) بعيدا ... لا أعرف ما الذي
حدث؟ ... (عباس) أيضا صار مختلفا، توقف عن اللعب، وعن غزواته العاطفية في الخرابة،
وتوقف أيضا عن العبث بأدوات المنزل وأثاثه، بل حتى عن الأكل والشرب! لا أعرف كيف
يقيم أوده؟ هل يقتات من فضلات وبقايا طعام اللذان يجدهما في الخارج؟.. صارت هواية
(عباس) الوحيدة هي مراقبة زوجي بعينين محدقتين، لا ترمشان ... وعندما أحاول تجاهل
ذلك كله، وأقوم بملاعبته كما كنت أفعل في السابق، لا يتفاعل معي أبدا، ويتحول إلى
دمية بلا حياة أحركها بين يدي ... إنه يخيفني، وبشدة ... شئ آخر، لقد أصبحت رائحته
سيئة، ولا تطاق، ولا يصلح معها استحمام، ولا منظفات ... أتسائل هل به مرض، أو علة؟
أدرك الآن، أن استقرار حياتي الزوجية واستمرارها
صارا مرتبطين بخروج (عباس) منها ... كانت لدي فكرة بهذا الصدد، تختمر في عقلي منذ
فترة طويلة ... الآن يجب علي تنفيذها وعلى الفور ... انتظرت حتى ظهر (عباس)، وتزامن
ذلك كالعادة مع عودة زوجي إلى المنزل، فحملته في قفصه الخاص (عباس، لا زوجي)،
وتوجهت إلى دار (الرحمة)، وهي دار متخصصة، ترعى الحيوانات الأليفة التي لا صاحب
لها، وتؤهلها، وتوفر لها عائلات جديدة، وصاحبة هذا الدار من معارفي، وقد عرضت
عليها مشكلتي، فوافقت على أن تقبل (عباس) نزيلا لديها في الدار ... أخبرت زوجي
بذلك، فأجابني بإحباط:
-
لن تفلح خطتك ... سيعود مرة أخرى.
عندما وصلت للدار قابلتني صاحبته
بترحاب، وسألتني عن القط، فأعطيتها القفص، فنظرت إلى داخله قبل أن تتسائل بدهشة:
-
القفص خال!.. لا يوجد شئ بداخله!
انتزعت القفص منها، ونظرت فيه، بالفعل
كان خاليا، رغم أن قفله كان مغلقا كما تركته ... كيف خرج (عباس) من القفص، وهو لم يغيب عن ناظري لحظة واحدة؟.. والأهم أين ذهب؟
.
...(هو)...
تمالكت أعصابي وأنا أرى زوجتي تقف
أمامي وتحمل بين ذراعيها ذلك القط الذي قتلته بنفسي صباح اليوم، الغريب أنه كان
حيا ويرمقني بنظراته الزجاجية، المقيته، لا أعرف هل يحاول بها أن يغيظني لعجزي التام
عن التخلص منه، أم يتوعدني بالانتقام القريب ... كيف نجا هذا اللعين بعدما تناول زجاجة
كاملة من السم صببتها على طعامه!؟.. وكيف خرج بعدها من القبر والكفن المحكم المصنوع
من الكيس البلاستيكي لذي دفنته فيهما بنفسي، وعاد إلى المنزل كأن شيئا لم يكن؟ ...
أتسائل هل نجا بالفعل؟ أم أن ما تحمله زوجتي بين يديها الآن هو شبح قط ميت ...
الإجابة عن هذا السؤال تستدعي العودة للمكان الذي دفنته فيه!
أخذت أنبش بيدي تلك الأرض الترابية خارج
المدينة بجوار أطلال بعض المباني التي شرع في بنائها في الماضي كمساكن اقتصادية للشباب،
ثم تعطل المشروع لمشاكل في التمويل، فتحولت المنطقة إلى مدينة للأشباح ومكان رائع
يصلح لإخفاء أي كارثة ... بسهولة استطعت الوصول للكيس البلاستيكي الذي دفنت فيه (عباس)
فحبيبات التربة مازالت رطبة ومفككة ... أخرجت الكيس ومزقته بعصبية لأرى ما فيه ... فما وجدت فيه إلا
بعض الشعيرات من فرا ئه باللونين، الأبيض والأسود!.. سؤال جديد ينضم إلى قائمة
الأسئلة المحيرة، أفهم أن (عباس) قد يكون غادر قبره لأنه نجا من السم ولم يمت،
ولكن من الذي أعاد دفن الكيس الخالي في نفس المكان؟ هل فعلها هو بنفسه! ... في تلك
اللحظة لمحته يقف أمامي على بعد أمتار قليلة، يرمقني بعينان كالجمر ويموء بصوت
مهدد، متوعد ... شعرت برعب هائل يجتاح باطني، إنه (عباس) كما عهدته، ولكن ملامحه
كانت تبدو أكثر شرا، وقسوة، وعيناه تومضان بلون أحمر مرعب ... كنت مازلت جالسا،
فتحسست الأرض بيدي حتى وجدت حجرا كبيرا فالتقطته، وهممت أن ألقيه عليه ... ولكنه
كان قد اختفى!
عندما عدت إلى المنزل كان ذلك اللعين
ينتظرني هناك وبراءة الأطفال في عينيه ... في الأيام التالية، كنت دائما أراه حولي
يتربص بي ويرمقني بنظرات كريهة، متوعدة، أشعر أنه يحاول الاختلاء بي سعيا للانتقام
... أخيرا شعرت زوجتي بأنه يجب التخلص من هذا القط، فحملته إلى تلك الدار التي
ترعى الحيوانات الأليفة! كم هي ساذجة؟ ولا تعلم أن هذا القط لا يمكن التخلص منه
أبدا، حتى بالقتل، وكما توقعت، عادت زوجتي بعد ساعة وهي تجر أذيال الخيبة، وتقول
لي بلهجة قلقة:
-
لقد اختفى ... لقد ضاع مني!
فابتسمت ابتسامة مريرة، وأنا أرد
عليها:
-
لا تقلقي سيعود.
في المساء رأيته يعدو في ردهة الشقة،
فأخبرت زوجتي، فأخذت تبحث عنه وهي تتسائل:
-
من الذي أدخله إلى المنزل؟
-
لست أنا.
لم تفلح زوجتي في العثور عليه،
فأخبرتني:
-
من الممكن أن تكون توهمت رؤيته.
كنت متأكد من رؤيتي له، ولكنني آثرت ألا
أجادل، وأنا أجيب:
-
أجل ... هذا ممكن!
بدأت أرى ذلك (القط) مرات ومرات، في
الصالة، وفي الردهة، وفي المطبخ، وفي غرفة نومي ... كنت أراه رؤية سريعة شبحية يعدو
من مكان إلى آخر، فإذا لاحقته لم أجده، وإذا بحثنا عنه أنا، أو زوجتي لم يعثر كلانا
على أي آثر له ... في البداية كنت أخبر زوجتي كلما رأيته، فكانت تتحمس وتبحث عنه،
قبل أن تعلن عجزها التام في العثور عليه، بعد ذلك بدأت حماستها تفتر، وبدأت أنا أتوقف
عن إخبراها بذلك، بعدما تبين لي أنني وحدي القادر على رؤيته، وكأن هذا اللعين قرر
أن يمنحني هذا الشرف وحدي ... في تلك الليلة وفي ظلام الغرفة، وبعد فترة من الأرق
والقلق بالتفكر في ذلك القط الشبحي، غبت أخيرا في النوم، قبل أن أصحو على ذلك
الشعور الفطري بالخطر وبأن هناك من يراقبني عن قرب، وأيضا على تلك الرائحة النتنة
التي أزكمت أنفي ... فتحت عيني فوجدته يقف على وسادتي على بعد بوصتين من رأسي،
وعيناه تومضان بذلك اللون الأحمر مرة أخرى وفرائه منفوش ويصدر ذلك الهسيس المتوعد
... صرخت صرخة هائلة وقفزت عن فراشي، وأنا أحمي وجهي بذراعي ويدي ... فزعت زوجتي من
نومها وهي تتسائل، في لهفة:
-
هل أنت بخير؟
نظرت حولي فلم أجده ... لقد اختفى مرة
أخرى بعد أن ألقى الرعب في روعي ... من الواضح أنه يواصل انتقامه مني، نكالا على
قتلي له.
.
...(هي)...
يمر زوجي بحالة عصبية سيئة ... رغم أن
(عباس) ذهب ولم يعد بعدما فقدته في رحلتي
إلى دار (الرحمة) ... ورغم أنني لم أحاول البحث عنه، وارتضيت بأن يخرج (عباس) من
حياتي بهذه الطريقة، وظنتت أن في ذلك راحة للجميع، إلا أن ذلك لم يحدث، فزوجي مصر
على أنه مازال يرى (عباس) في البيت، ويراه في الشارع، ويراه حتى في العمل ... يقول
أنه يتربص به ويحاول الانتقام منه ... يفزع كل ليلة من نومه وهو يصرخ ويتهم (عباس)
بمحاولة الهجوم عليه، فأطمأنه بأن هذا كان مجرد كابوس، ولكنه لا يطمئن أبدا.
تطورت حالة زوجي، وساءت كثيرا، فامتنع
عن الذهاب إلى العمل، وأهمل في نفسه وملبسه وتوقف عن حلاقة لحيته وشعره، ونحل
جسده، حتى صار يشبه إنسان (نايندرثال) ... أصبح أيضا قصير الفتيل، يتعصب من أتفه
الأشياء، يصرخ طوال الوقت، ويطارد شبح قط وهمي ... طلبت منه الذهاب إلى الطبيب
فرفض بشده في البداية، ولكنه وافق على مضض، بعد أن هددته بالرحيل وترك البيت ...
لم يتغير الحال كثيرا بعد زيارتنا للطبيب، أصبح فقط ينام أوقاتا أكثر مع كل تلك المهدئات
التي منحها له هذا الأخير ... يقول لي الطبيب:
-
أن زوجك يعاني من هلاوس بصرية وسمعية ... قد يكون ذلك
بسبب قتله للقط كما أخبرني، وهذا يؤرق ضميره.
-
ولكنه لم يفعل، فأنا التي فقدت القط في الشارع، وضاع مني.
يفكر الطبيب قليلا، ثم يقول:
-
إذا هو يعاني أيضا من ضلالات وفصام ... العلاج بالأدوية
هو الأنسب لحالته، وعنايتك به واهتمامك أيضا سيساعدان في الشفاء.
بالأمس صحا زوجي من النوم وهو يصرخ
لليلة العاشرة على التوالي، حاولت تهدئته حتى عاد إلى النوم ... انتبهت إلى أثار
خدوش ذات أربع خطوط متوازية تمتد على طول ذراعه الأيمن وتختفي تحت كم القميص ...
خلعت قميصه بهدوء حتى لا أفزعه، فوجدت تحته عدد رهيب من الخدوش المتقاطعة،
والمتوازية، والتي تغطي جسده كله، وصدره، ورقبته، وذراعيه، بعضها غائر وحديث
ومازال يحمل أثرً دامً، وبعضها قد جف وخلف بعض القشور... لا أعرف ما الذي يحدث
لزوجي؟ وما الذي حل به؟.. جلبت كيسا من القطن وزجاجة من المطهر، وأخذت أنظف له
الجروح ... أتسائل كيف صنع في جسده كل تلك الخدوش؟ وهل هو الذي صنعها من الأساس؟
... إنها خدوش تشبه تلك التي يصنعها قط متوسط الحجم ... بالضبط في حجم (عباس).
.
...(هو)...
الجميع متأكد الآن أنني قد جننت
تماما!، زوجتي، وأهلها، والطبيب، وزملائي في العمل، وأصحابي!.. لا يعرف أحدٌ منهم قدر
ما أعانيه مع هذا القط الخبيث، الذي يتربص بي في كل وقت ويصر على إفزاعي والانتقام
مني ... علي أن أجد طريقة أدافع بها عن نفسي، علي أن أرد له الكيل بمثله ... ولكن
كيف أفعل هذا مع شبح يستطيع أن يظهر وقتما يشاء، ويختفي وقتما يشاء؟.. أتذكر مقال من
جريدة صفراء قرأتها وأنا في المرحلة الإعدادية، تتحدث عن أن الروح عندما تتجسد في
هيئة مادية فإنها تكتسب نفس الضعف المادي لهذا الجسد ويمكن أن تؤذيها أو حتى تدمرها
إذا استطعت أن تلحق الأذى بهذا الجسد ... تخريفة لا بأس بها، ولكنها كل ما أملك
الآن ... ماذا سأخسر إن حاولت؟
في تلك الليلة أويت إلى فراشي بعد أن
أخفيت تحت وسادتي سكينا حادً ... أعرف ما سيحدث الآن؟ عندما تغلق الأنوار ويحل
الظلام وأغيب في النوم، سيهاجمني ذلك اللعين، كما يحدث في كل ليلة، ولكن في تلك
المرة أنا أمتلك المبادرة، سأنام ويدي على السكين، وعندما يظهر ذلك المدعو (عباس)
سأغرس السكين في قلبه ... مشكلتي الآن هي أن أتغلب على حالة الأرق التي تراودني مؤخرا
... لن يفلح إدعاء النوم في جلب هذا اللعين، لقد جربت ذلك من قبل، علي أن أنام
نوما حقيقيا حتى يهاجمني كعادته ... احتجت لساعتين ولبضعة حبات من المنوم حتى غبت
في النوم أخيرا.
استيقظت على تلك الرائحة النتنة التي
أعرف صاحبها، وعلى تلك الآلام في صدري ... فتحت عيني ببطأ فوجدت ذلك القط الشبح بعيناه
الحمراوين كمصابيح الانتظار في سيارة، يربض على صدري ويخمشه بمخالبه فيه بشهوة
... تلك هي فرصتي المناسبة، بحثت عن
السكين تحت وسادتي حتى وجدته، فقبضت عليه بأصابع متوترة، وبحركة مفاجئة طعنته في
قلبه، وأنا أصرخ في هستيرية:
-
مت أيها اللعين.
انبعثت صرخة متألمة بعد طعنتي النجلاء،
ولكنها لم تنبعث من ذلك القط اللعين، ولكنها جائت من حنجرة زوجتي!.. اعتدلت في
فزع، وأضأت مصباح الفراش، فهالني مارأيت ... كانت يدي مازالت تقبض على السكين
المغروس حتى مقبضه في صدر زوجتي، بالضبط في مكان القلب ... كانت الدماء تنسكب من
صدرها وتغرق الفراش، وكانت الحياة تغيب عن عينيها رويدا، وريدا، وكانت عيناها
تنظران لي وتحملان نظرات الحيرة والتساؤل ... لماذا؟ ... صرخت ملتاعا، ونزعت السكين من صدرها،
وألقيته جانبا، فتدفقت الدماء من جرحها بسرعة أكبر، صرخت في يأس وأنا وأحاول أن
أغلق الجرح بيدي، وأنا أناشدها:
-
أرجوك أبق معي ... لا تذهبي ... ياويلي، ماذا فعلت؟ ماذا
فعلت؟ ... إنه ليس ذنبي ... إنه ذنب ذلك المقيت ... (عباس)!
هنا ظهر (عباس) أمامي في منتصف الغرفة
تماما، فأسدلت جسد زوجتي على الفراش، والتقطت السكين وأنا أنظر إليه نظرات متوعدة
تحمل الغل، والكراهية، فبادلني بنظرات مماثلة ... اقترب (عباس) مني بخطوات متوعدة،
كانت ملامحة قد ازدادت قبحا، وشرا، بعينيه اللتان تطلقان أحمر الشرر، وجسده الذي بدء
يتحلل ويتساقط الفراء عن أجزاء منه ... هل أتخيل أم أن جسده صار أضخم مما كان عليه
في السابق ... أصدر (عباس) هسيسا متوعدا وكشر عن أنيابه مستعدا للهجوم ... نظرت
إلى زوجتي التي غابت عن الوعي أو عن الحياة ... لا أشعر بالخوف الآن، بعد زوجتي فقدت
كل المشاعر إلا الرغبة في الانتقام من هذا اللعين، بعد زوجتي لم يعد في داخلي قلبا
ليشعر من الأساس ... ماء (عباس) بقوة فبرزت أنيابه أكثر، ثم قفز علي وغرزها في
عنقي، في نفس اللحظة التي غرست سكيني في صدره.
.
...(هي)...
سنوات طويلة مضت على تلك الليلة الكئيبة
... في ذلك الصباح كنت أجلس وحدي في صالة المنزل، يصل إلى مسامعي صراخ زوجي المعتاد
صادرا من غرفة النوم:
-
(عباس) ... سأقتلك أيها اللعين.
يصلني صوت لطمة، ومواء متألم، يتبعه
صوت هسيس متوعد، وبعده مواء قوي غليظ، مصحوب بصرخة ألم من زوجي، وفاصل طويل من
السباب، والتهديد بلغتي البشر والقطط ... كل هذه أشياء اعتدت عليها وألفتها بعد كل
تلك السنين، أنا لن اتزحزح عن مقعدي لأحاول الفصل بينهما، أعرف النتيجة مسبقا ...
انتبهت إلى باب الشقة وهو يفتح من الخارج، ودلف منه رجلان، أحدهما يبدو في العقد
الخامس من العمر يرتدي حلة أنيقة ورباط عنق، يلاحقه شاب أسمر، ناحل، يرتدي جلبابا،
تبدو عليه سمات أبناء الريف، قال الأول:
-
هل نظفت الشقة مؤخرا يا (سليمان)؟
-
فعلت يا (باشا)... ولكن!
ثم توقف للحظة كأنه يكبح تساؤلا في
باطنه، فحثه الأول على الاسترسال قائلا:
-
ولكن ... ماذا؟
فأجاب بسرعة:
-
يا (باشا) لماذا تصر دائما على تنظيف الشقة، وأنت تعلم
أننا لا ننجح أبدا في تأجيرها.
-
ولماذا لا ننجح؟
-
لأن الشقة مسكونة؟
قال الرجل الأول بضيق:
-
توقف عن ذلك ... لا يوجد شئ اسمه شقة مسكونة، إنها
إشاعات روجها البعض، ووجدت صداها لدى قليلي العقل.
قال الشاب بعصبية:
-
ياباشا أنا سمعتهم بنفسي، وكل من حاول استئجار الشقة
وأقام فيها ليلة، سمعهم بدوره قبل أن يفر منها في الصباح كأنما تطارده الأبالسة.
أشاح الرجل بيديه بغضب، وهو يقول:
-
أعلم كل هذه الخرافات ... كل هذا بسبب الحادثة التي حدثت
في تلك الشقة منذ سنوات بعيدة، وذلك الرجل الذي جن، فقتل زوجته ونفسه وقطهما.
-
إنها ليست خرافات يا (باشا) ... صدقني.
يظهر (عباس) وهو يعدو عبر الردهة قادما
تجاهي، يلاحقه زوجي، قبل أن يمر كلاهما عبر جسد الرجلين كالأثير، ارتعد الرجلان،
كأن قشعريرة باردة مست جسديهما، قبل أن يقررا مغادرة المنزل ... أتابع زوجي وصراعه
الأبدي مع (عباس)، لم أكن أتصور يوما أن هذا سيكون مصيري!.. وسيكون علي أن أظل
عالقة هنا للأبد، بين رجل مجنون وقط سئ السلوك...
.. (تمت) ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق