الجمعة، 28 أبريل 2017

تلعب معي يا (عمو)؟

قصة رعب قصيرة بعنوان ... (تلعب معي يا عمو؟)
قصة رعب قصيرة من حلقة واحدة لكسر روتين السلاسل المتصل طوال الأسابيع الفائتة على صفحة القشعؤيرة، مع عودة جديدة للسلاسل يوم الثلاثاء القادم وسلسلة (قرية الذئاب) ...
**ملحوظة ... لمن لديه مشكلة في عرض النص كامل، تابع التعليقات الأولى**
-          ما رأيك في الشقة؟
قالها السمسار بعد جولة سريعة في تلك الشقة المفروشة التي يعرضها علي، فأجبته بحذر، حتى لا يغالي في قيمة الإيجار المطلوب:
-          إنها جيدة ... المهم أن يكون سعرها مناسبا!
-          لن نختلف، سأوافق على المبلغ الذي تعرضه!
أدهشتني تلك الإجابة، فهذه هي الشقة العاشرة التي يعرضها علي هذا السمسار، وفي كل مرة كان يبالغ في مطالبه المادية، فلا نستطيع أن نصل إلى اتفاق ... استدرك بسرعة عندما رأى حيرتي:
-          صاحبها رجل (ثري) ويعيش في الخارج، ويهمه فقط ألا تبقى الشقة خالية.
كنت أعرف أن القيمة التي سأعرضها، سيضيف عليها ضعفين، ويفاصل معي حتى يجهدني، لذا قلت باخسا القيمة، توطئة لذلك الفصال المنتظر:
-          سأدفع ألفا.
-          موافق.
ارتسمت ملامح الدهشة على وجهي، واتسعت عيناي، وتدلى فكي السفلي ليضيف إلى ملامحي قدرا من البلاهة وأنا أقول متعجبا:
-          هل أنت متأكد!؟
-          أجل.
-          اشتم رائحة غير مريحة، هل هناك ما يسوء بخصوص تلك الشقة؟
-          لا ... لا شئ
ثم أردف وهو يدير وجهه للناحية الأخرى متفاديا النظر في وجهي، وهو يقول بصوت متحشرج:
-          لا شئ كبير.
-          إذا هناك شئ صغير؟
-          نعم هناك جريمة قتل وقعت في تلك الشقة منذ ينوات، والناس يتشائمون من ذلك، ويرفضون استئجارها.
عقدت حاجبي، وأنا أقول بدهشة:
-          هذا فقط، ولا شئ آخر، كالسباكة، الكهرباء، وتدفق المياه، وغيرها من تلك الأمور.
اومأ براسه، وهي يجيب مداهنا:
-          أجل ... أحلف لك بغلاوتك عندي.
ابتسمت وأنا أقول:
-          إذا ... أنا موافق على أن أؤجرها.
-          اتفقنا ... دعنا نكتب العقد.
***
أنا طالب جامعي في الصف الثالث بكلية الهندسة، كنت أقيم أنا وأثنين من أصحابي من طلاب الكليات النظرية في غرفة واحدة بالمدينة الجامعية، وهو وضع لم يعد يطاق بعد أن ساءت الخدمة كثيرا في المدينة الجامعية، وأصبحت الإقامة بها كالإقامة بأحد عنابر سجون المجرمين عتيدي الإجرام، ومن هنا جاءت فكرة الانتقال إلى شقة مستقلة،نقيم فيها معا ، على أن تكون قريبة من الحرم الجامعي، كانت المشكلة الوحيدة هي التكلفة المادية اللازمة لتنفيذ هذه الفكرة، ورغم أن ثلاثتنا من عائلات مرتاحة ماديا، إلا أننا كنا محددين بقيمة مادية لا يمكن تجاوزها، وهو ما جعلني أشعر باليأس في بعض اللحظات من العثور على الشقة المناسبة، لهذا كانت المفاجأة كبيرة، عندما نجحت في العثور على شقة مفروشة فرشا جيدا، من ثلاث غرف وصالة كبيرة، ودورتي مياة، في بناية حديثة بمنطقة راقية، وبهذا السعر فقط!.. إنه شئ رائع للغاية!
انتقلت للشقة وحدي في البداية بسبب طبيعة دراستي العملية، ووجود تدريب صيفي لي هذا العام لسوء الحظ، هكذا سيكون علي أن اكتشف هذا المكان وأخوض تلك التجربة وحدي دون صاحبي اللذان سيلحقا بي على بداية العام الدراسي الجامعي ...  لا أذكر تحديدا متى بدأت هذه المشكلة، قد يكون ذلك قد حدث بعد أسبوع أو أثنين من انتقالي لهذه الشقة ... كنت في تلك الليلة أعد بعض التقارير وأرسم بعض اللوحات الهندسية ضمن أحد المشاريع التي نعمل فيها أنا وزملاء الدراسة، جاهدين من أجل الحصول على بعض الدرجات النادرة، في تلك المادة الصعبة ودكتورها الشحيح في منح الدرجات، هنا بدأ الضجيج!
كان الصوت قادما من أعلى، من الشقة التي تعلو شقتي مباشرة، كان الصوت عاليا ومتكررا ولا يتوقف، استطيع تميز صوت أقدام تجري و تقفز في المكان، وصرخات أطفال ونحيبهم، وأواني تسقط على الأرض، وأثاث ثقيل ينقل ويحتك بالأرض مصدرا صوتا مزعجا ... انتظرت انتهاء هذا الضجيج اللعين، ولكنه استمر لفترة طويلة، ولم يبد أن سكان تلك الشقة سيتوقفون أبدا عن صخبهم وإزعاجهم، هنا قررت أخذ موقف، أنا ساكن جديد، وإذا تساهلت في مثل تلك الأمور مع الجيران، ستتحول حياتي هنا إلى جحيم.
ضغطت على جرس الباب، ثم نظرت إلى اللوحة النحاسية المعلقة بجواره التي توضح اسم جاري وعمله (أستاذ طه سليم - معلم بالتربية والتعليم)، تمتمت بصوت متهكم:
-          تربية وتعليم!
فتح الباب فتحة ضيقة، نظر لي من خلالها طفل هزيل، شاحب الوجه بدا كأنه مصاب (بالأنيميا)، بادرته بسرعة قائلا:
-          أين أباك ياصغيري؟
أجاب بصوت طفولي رقيق، وبطريقة مهذبة:
-          أبي ليس هنا يا (عمو).
-          وأمك؟
-          ليست هنا أيضا.
مططت شفتي، وأنا أسأله بضيق:
-          هل معك أحد كبير؟
-          لا ... أنا هنا وحدي
-          إذا فأنت من يصنع كل هذا الضجيج!؟
بدا الذعر على وجه الطفل، وأخذ يتلفت يمينا ويسارا، قبل أن يقول بصوت خافت:
-           أنا آسف يا (عمو) ... لن أفعل ذلك ثانية ولكن أرجوك لا تخبر أبي بذلك.
-          حسنا لن أخبره، ولكن توقف فورا عن هذا الأزعاج.
أومأ الطفل برأسه، وقبل أن اتوجه عائدا إلى شقتي، نادى علي الطفل:
-          (عمو)؟
-          أجل.
-          ممكن تلعب معي يا (عمو)؟
***
صدق الطفل وعده في تلك الليلة وتوقف الصخب والضجيج، ولكنه كعادة الأطفال في مثل سنه، نسى ما وعد به في اليوم التالي، وهكذا تكرر نفس الضجيج بحذافيره ... مرة أخرى توجهت لشقة الأستاذ (طه سليم) المعلم بالتربية والتعليم، وفتح لي الطفل نفسه، وأخبرني بغياب أهله كالعادة، فهددته بلهجة غليظة، وتكشيرة مفتعلة رسمتها على وجهي، بأن أشكوه لهما عند عودتهما، فبدا الخوف والذعر على ملامحه، وهو يتوسل لي ألا أفعل، فوافقته دون أن أزيل التكشيرة عن وجهي، وأخبرته أن هذه هي المرة الأخيرة وبعدها سأتوجه إلى أبيه مباشرة، فوعدني أن يوقف الضجيج، ولم ينس قبل أن أرحل أن يطلب مني:
-           ممكن تلعب معي يا (عمو)؟
عندما تكرر الضجيج في اليوم التالي، اتصلت بالسمسار مباشرة وأخبرته بما يحدث، فأجابني بدهشة حقيقة:
-          الأستاذ (طه سليم) رجل محترم ومهذب، وطفلاه ملاكين، رأيتهما وتعاملت معهما أكثر من مرة!
قلت بضيق:
-          يبدو أن أحدهما قد تحول إلى شيطان ... أرجوك إعطني رقم هاتفه.
-          حسنا، هو ليس معي الآن ... سأرسله لك من مكتبي، فهو بالتأكيد مسجل ضمن بيانات العملاء.
 أغلقت الهاتف، ووضعت سدادتين قطنيتين في أذني، على أمل أن يحدان من أثر الضجيج، فاستطيع التركيز ولو قليلا على هذا المشروع الذي أوشكت على الرسوب فيه، ولكن دون جدوى فالصوت كان عاليا، ومزعجا للغاية، ويخترق جمجتي مباشرة إلى خلايا مخي التي توشك على التمزق، معقول أن يأتي طفل واحد هزيل، بكل هذا الضجيج!
-          ممكن تلعب معي يا (عمو)؟
كان هذا هو جاري الطفل، يقف داخل غرفتي ويطلب مني اللعب معه، صرخت فيه بفزع ودهشة:
-          كيف دخلت إلى هنا!؟
أشار نحو الباب وهو يقول ببساطة:
-          كان الباب مفتوحا.
يالحماقتي، هل تركت الباب مفتوحا؟.. نهضت بسرعة من وراء مكتبي، ودفعت الطفل نحو الباب وأنا أقول له:
-          لا ليس الآن ... ليس هذا وقت اللعب ... هيا عد إلى منزل حتى لا تقلق أبويك.
-          إنهما في الخارج.
ثم نظر نحو جهاز الحاسوب خاصتي، وهو يردف:
-          ما هذا؟
-          إنه جهاز حاسوب استخدمه في دراستي.
سار أمامي حتى الباب، ثم توقف وهو يقول متوسلا:
-          هل يمكنني أن أبقى هنا قليلا، سألعب في هدوء ولن أزعجك.
فكرت للحظة، ثم زفرت بيأس، وأنا أجيبه:
-          حسنا، يمكنك أن تلعب في الصالة لدقائق، أو تتفرج على (التلفاز) ولكن عليك أن تخفض الصوت، وسأعود أنا لغرفتي لأكمل مذاكرتي.
بدت السعادة على وجه الطفل وهو يقول:
-          شكرا لك يا (عمو)!
ثم اختفت تلك السعادة من على وجهه دفعة واحدة، وتبدلت ملامحه، وارتسم الألم والغثيان على وجه، وهو يمسك معدته، وينحني:
-          أووووووع!
سقط الطفل على الأرض وهو يقيئ ما في جوفه على الأرض، وقد بدا وجه شاحبا، خائرا، يكاد يسقط فاقدا الوعي ... صرخت بفزع:
-          ماذا بك ياصغري؟
-          ألم هائل في معدتي يا (عمو) ... أرجوك ساعدني الألم لا يتوقف أبدا.
أرقدته على الأريكة، ثم توجهت إلى غرفتي لأجلب الهاتف والمفاتيح، بعد أن قررت أن أصحبه إلى المشفى في الحال، فحالته تبدو خطيرة ... ولكن عندما عدت كان الطفل قد اختفى! وكان باب الشقة مغلقا، بحثت عنه قليلا في الشقة فلم أجده، فصعدت إلى الطابق الأعلى وأخذت أدق الباب بعصبية ولكن دون جدوى، عدت مرة أخرى إلى شقتي، نظرت إلى المكان الذي كان الطفل مسجا فيه منذ قليل فلم أجد أثرا لما قاءه هناك، غريب، هل رحل الطفل بهذ السرعة؟ ولم ينس قبل أن يرحل أن ينظف وراءه؟ هذ لغز حقيقي!
***
عندما تكرر الضجيج في اليوم التالي، اتصلت مباشرة بالأستاذ (طه سليم) هاتفيا، كان السمسار قد أرسل لي رقم هاتفه في الصباح كما وعد، جاءني صوت الأستاذ (طه) من الناحية الأخرى يتساءل عن محدثه، فأجبته بسرعة:
-          أنا جارك في الدور الأدنى ... كيف حالك ياسيدي؟
أجاب الرجل بصوت مهذب، وبلغة منمقة، تؤكد أنه معلم عتيد في التربية والتعليم:
-          أنا بخير يا صديقي، سامحني لم تسمح لي الظروف بالترحيب بك.
صمت الرجل، وصمت أنا ايضان لم أعرف كيف يمكنني أن أشكو له مما حدث بعد تلك البداية المهذبة، فتنحنح الرجل وهو يقول مشجعا:
-          هل هناك مشكلة في الشقة؟
-          أجل يا سيدي
-          ما هي!؟
-          طفلك ... أشهد أنه طفل محترم، ومهذب، وحسن التربية، إلا أنه يصنع ضجيجا، وصخبا عاليا طيلة الوقت.
صمت الرجل لفترة، ثم تحدث بصوت بدا أكثر غلظة:
-          متى حدث هذا؟
-          يحدث الآن، يمكنك أن تسمعه عبر الهاتف، وحدث بالأمس، ويحدث كل يوم.
قال الرجل بحدة:
-          أنت شخص عابث، أو مجنون!
ارتج علي للحظة، قبل أن أتساءل في دهشة:
-          لماذا الإهانة ياسيدي؟
أجاب الرجل بصوت حاد، مهتاج:
-          أنا هنا في المصيف منذ أسبوع كامل، على بعد مئات الأميال من شقتي الخالية، ومعي أسرتي كاملة، وطفلاي يلعبان الآن أمامي في الحديقة في تلك اللحظة، وتجرؤ أنت على اتهامهما بإزعاجك الآن.
أغلق الرجل الهاتف في وجهي، أعذره على ذلك، لو كنت مكانه لفعلت ما فعل ... لغز جديد ينضم لقائمة الألغاز التي تبحث عن إجابة، إذا من هو هذا الطفل؟، وكيف يمرح في الشقة براحته بتلك الطريقة؟ ... وجدت نفسي اتصل بالسمسار من جديد، لم أخبره بما حدث، ولكنني وجدت نفسي أسأله عن الجريمة التي وقعت في هذه الشقة في الماضي!.. لا أعرف لماذا خطر لي هذا السؤال بالذات، ، فأجابني السمسار:
-          إنها حادثة عائلة (التهامي) ألا تذكرها، لقد كانت حادثة مروعة، وانتشرت أخبارها في ذلك الوقت، وأصبحت الحديث الشائع على كل لسان، وتناقلتها الجرائد، ووكالات الأخبار.
لم يستطع السمسار أن يخبرني بالمزيد عن تلك الحادثة، فقد كان مشغولا بشئ ما، فأنهيت المكالمه معه، بعد أن طلبت منه زيارتي غدا، لآن هناك مشكلة بخصوص الشقة، فوعدني أن يفعل ... كنت مهتما بشدة بهذا الموضوع، هناك صوت خافت يصدر من ركن بعيد في عقلي يخبرني بأن تلك الحادثة لها علاقة بما يحدث الآن ... هكذا بحث على الشبكة العنكبوتية بواسطتة حاسوبي عن هذا الموضوع، وبالفعل وجدت العديد من الأخبار والمقالات التي تتحدث عن هذه الواقعة! التي اعتبرها البعض كارثة وبداية لظاهرة مجتمعية خطيرة، انتقيت خبرا من بينها، وأخذت أقرأه باهتمام ... كان الخبر يتحدث عن رجل الأعمال (إبراهيم التهامي) الذي تسببت صفقة أعمال خاسرة، في فقدانه لثروته كلها، وتعرضه بسبب ذلك لحالة من الجنون، قتل فيها زوجته وطفله بوضع السم في طعامهما، قبل أن يتدلى من النافذة مشنوقا من رقبته بحبل غليظ مربوطا في إطارها، لقد جعله الخوف من الفقر، العوذ، يقتل زوجته، وإبنه، ثم ينتحر ليلحق بهما ... كان في نهاية الخبر صورة للرجل وزوجته وطفلهما ... ملامح الرجل عادية للغاية ومتزنة، لا يمكنك أن تتصور أبدا أن هذا الرجل يمكنه أن يرتكب تلك الجريمة، أما المرأة فبدت سعيدة، مبتسمة، من الواضح أنها لم تكن تحمل هما ولا خوفا من الغد، أما الطفل ... اللعنة ... أنا أعرف هذا الطفل!! إنه الطفل الذي يسبب كل هذا الضجيج، يبدو الآن أكثر شحوبا، وموتا، مما يبدو في الصورة، ولكنه هو، أنا متأكد من ذلك! ... انتصب شعر رأسي، وشعرت بالقشعريرة الباردة تسري على أطرافي وعمودي الفقري، وبعرق بارد يتكون على جبهتي ورقبتي ... ماذا أفعل الآن بعد ان عرفت حقيقة هذا الطفل الشبح؟ ماذا أفعل؟
***
 كان الضجيج قد توقف، يبدو أن الأشباح تحتاج أيضا للراحة مثل البشر، غادرت الشقة وقضيت ليلتي على احد المقاهي، أفكر فيما يجب علي فعله، وعندما لم يصل عقلي لحل مناسب وجدت نفسي في النهاية أعود لشقتي! كانت الساعة الثانية صباحا، كان الأرهاق والتعب قد نجحا في أن يجعلاني أؤجل التفكير في هذا الموضوع إلى يوم آخر، كان آخر ما وصلت له، أنه من الصعب أن أجد شقة أخرى مناسبة كهذه، كما أنني لن أقيم فيها منفردا، أضف إلى ذلك أن الخوف من الأشباح لم يعد رائجا في هذا الزمن الذي أصبح كل ما فيه مخيفا، وقاتلا حتى شربة الماء، أصبحت ملوثة بالميكروبات، والمبيدات، والأشعة الكونية، والمخلوقات الفضائية... هكذا بدأت أخرف بكلام لا أعرف معناه، حتى وجدت نفسي أخيرا أغيب في النوم دون حتى أن أغير ثيابي، فقط خلعت سروالي، وحذائي، وألقيت بجسدي في الفراش.
لا أعرف كم مضى علي من الوقت نائما، قد تكون ساعة أو اثنتين، حينها وصل إلى أذني ذلك الصوت الطفولي الرقيق، وهو يهمس في أذني:
-          (عمو) ... (عمو).
استيقظت دفعة واحدة، فوجدت على الضوء (السهاري) الضعيف القادم من الصالة، ذلك الطفل يقف ببراءه إلى جوار فراشي بوجهه الشاحب، المتألم، وهو يقول:
-          (عمو).
زحفت إلى الناحية الأخرى من الفراش، مبتعدا عنه وأنا أصرخ فيه بفزع:
-          ماذا تريد مني أيها اللعين!؟ ... ارحل من هنا!
مط الطفل شفتيه دون اكتراث، وهو يقول:
-          كنت تطلب مقابلة أبي.
ثم أشار إلى باب غرفة النوم المفتوح، وهو يردف:
-          لقد جاء معي ليقابلك.
هنا ظهر عند الباب ذلك الرجل الذي تدلت رأسه على رقبته بشكل مرعب، من الواضح أن عنقه مكسور، اقترب مني وهو يتحدث بصوت مبحوح وبكلمات غير واضحة، تبدو كالغرغرة ... قال الطفل مفسرا:
-          عذرا أبي لا يستطيع الكلام بعد أن حطم الحبل حنجرته، هو يسألك ماذا تريد؟
في تلك اللحظة انطلقت صرخاتي عالية، مولولة، وألقيت بالغطاء على الطفل وأبيه، وهربت ناحية باب الغرفة، ومنه إلى باب الشقة ... نزلت الدرج في عدة قفزات، قبل أن أغادر البناية ... ظللت أجري في شوارع المدينة لأكثر من عشر دقائق حافيا، ودون سروال، وأنا أطلق نفس الصرخات العالية، المدوية، حتى استوقفتني دورية للشرطة، واستضافتني تلك الليلة في الحجز بقسم الشرطة، فوافقت مرحبا وبشدة.
***
في العام التالي لم تبد المدينة الجامعية بهذا السوء كما كانت عليه في الأعوام السابقة، قد يكون هذا رأي الخاص، ولكنه بالتأكيد ليس رأي شركائي في الغرفة، مع تلك الحالة التي أصابتني مؤخرا وجعلتني استيقظ من نومي صارخا في ساعات الليل المتأخرا، موقظا كل من هم معي في الغرفة، والغرف المجاورة في نفس الطابق، لا أحد منهم يصدقني، عندما أحاول أن أوضح لهم أن مايوقظني هو ذلك الصوت اللعين الذي يهمس في أذني، وأسمعه طوال الوقت، وهو يقول:
-           ممكن تلعب معي يا (عمو)؟
.. (تمت) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق