الجمعة، 9 يونيو 2017

سيد الغابة الملعونة






قصة رعب بعنوان ... (سيد الغابة الملعونة – الجزء الأول)
تمهيد ...
هذه القصة تتكون من ثمانية مشاهد أساسية، إضافة إلى المشهد الختامي ... يمكنك أن تقرأ هذه القصة كأي قصة عادية من أولها حتى آخرها، ستجدها مثيرة، ومليئة بالأحداث، أو تعتبر أن تلك المشاهد هي مجموعة من الألغاز، كل واحد منها يقودك إلى التالي، حتى تصل إلى الحل مع نهاية القصة ومشهدها الختامي، ففي نهاية كل مشهد ستجد سؤال يختبر قدرتك على توقع ما سيحدث في المشهد التالي، بقراءة أحداث المشاهد السابقة، واستنباط الأدلة والعلامات الموجودة بين السطور ...
.
(المشهد الأول)
أنا لاعب ألعاب (فيديو) محترف، أو كما يطلق علينا أبناء الكار، (بروفشنال جيمر)، بدأ الموضوع معي كهواية وعشق منذ الصغر، ثم تطور إلى احتراف، ومهنة في الكبر، وذلك بالطبع كان من حسن طالعي ، فانشغالي الدائم بألعاب (الفيديو)، كان سببا مباشرا لفشلي في استكمال دراستي العليا، كيف يمكن لإنسان أن ينجح في أي دراسة وهو يمارس ألعاب (الفيديو) ستة عشر ساعة يوميا! ولا يترك ذراع اللعب، إلا للطعام أو الحمام أو للقليل جدا من ساعات النوم ... اليوم أجني دخلا من هذا المجال يكفي لجعل حياتي رائعة، يتسائل الناس بدهشة أحيانا كيف يمكن لتلك الألعاب أن تكسبك دخلا منتظما، الإجابة بسيطة، أنا بارع في الألعاب، بل أنا الأبرع، وهذا يغري الشركات المنتجة لهذه الألعاب لتوظيفي لاختبارها، كما أنني أخوض منافسات وأفوز بها دائما ... أنا أعيش وحيدا في (ستوديو) فاخر في منطقة راقية، حياتي يمكن تلخيصها في كلمتين فقط، ألعاب (فيديو).
كنت منشغلا بقتل مئات الجنود، وتدمير العشرات من الدبابات ، وإسقاط بعض الطائرات المقاتلة، عندما رن جرس الباب، ضغطت زر الإيقاف في ذراع اللعب، لتتجمد المعركة المحتدمة على شاشة التلفاز الثمانين بوصة الذي يشغل جدارا كاملا في غرفتي، نهضت متكاسلا نحو باب (الإستوديو) وفتحته فلم أجد أحدا، تلفت يمينا ويسارا، قبل أن أنتبه إلى ذلك الظرف الضخم الذي تركه أحدهم أمام بابي، فالتقطه، وأغلقت الباب.
شعرت بالدهشة فالظرف ليس عليه عنوان المرسل، أو اسمه، ولا حتى على رقم هاتفه، كان ظرفا أبيضا، وخاليا من أي كتابة ... تحسست الظرف، فأدركت على الفور أنه يحوي بداخله لعبة (فيديو)، فتحته بلهفة، ما زلت طفلا صغيرا، أشعر بالسعادة كلما حصلت على لعبة (فيديو) جديدة، رغم أنني أمتلك مكتبة كبيرة تحوي المئات منها ... أخرجت اللعبة بسرعة، وأخذت أتامل ذلك الوجه المرعب المرسوم على سطحها كخلفية لغابة مظلمة كئيبة، وهو يحدق في بكرتي عينين بيضاوين، لامعتين  ... فضولي يتزايد، فعلبة اللعبة ليس عليها أي بيانات عن الشركة المنتجة، ولا التعليمات الخاصة بالاستخدام، فقط الصورة المرسومة باحترافية عالية، وفوقها عنوان باللغة العربية، كتب بحروف دموية، متقاطرة (سيد الغابة الملعونة)!
لم أحتمل أكثر من ذلك، فضولي يقتلني، أخرجت أسطوانة اللعبة، ودسستها في جهاز الألعاب، وضغطت ذر البدء ... ظهرت نفس الصورة على الشاشة، مع خلفية موسيقية أثارت الرعدة في بدني، أنا خبير في تلك الألعاب، ولكن تلك الصورة، وهذه الموسيقى تخيفانني بحق ... اختفت الصورة وظهر اسم اللعبة، ثم اختفى اسم اللعبة، وحل محله تعليمات الاستخدام ... كانت التعليمات بسيطة للغاية:
** بيدك قرار الدخول إلى الغابة الملعونة، أما الخروج فشئ آخر **
** اهزم (سيد الغابة الملعونة)، كي تكون أنت سيدها الجديد **
شئ مثير للغاية، هذه اللعبة تختلف عن أي شئ رأيته من قبل، ضغطت ذر البدء بحماس، فبدأت اللعبة، ثوان قليلة وهبط حماسي من القمة إلى القاع، لقد كانت اللعبة محبطة للغاية، مجموعة من الأهداف الساذجة المتحركة التي تشبه قطع الحلوى التي علي تقطيعها بسيفي، تمتمت بضيق:
-         اللعنة، ما هذا الحمق!؟
كان هناك مربع نص أسفل الشاشة يعرض النص التالي:
**مرحلة اختبارية لتقييم كفاءة المتباري**
قررت أن أنهي المرحلة الاختبارية، ثم أخرج تلك الأسطوانة من الجهاز، وألقيها في صندوق القمامة ... لم يكن الموضوع صعبا بالنسبة لي، رغم تسارع الأهداف بشكل كبير في نهاية المرحلة، لكنني نجحت في تمزيقها جميعا بسيفي ... انتهت المرحلة، وقبل أن أمد يدي لإغلاق اللعبة، اختلجت الصورة على الشاشة، ثم انسحبت ليظهر محلها بعض الحروف الباهتة، المتراقصة، التي أخذت تتراص، وتتضح، لتكون نصا على الشاشة، قرأت النص، فوجدته  متحديا للغاية:
 (السؤال الأول ... ما هو التحدي الذي سيعرضه النص على بطل القصة!؟)
.
(المشهد الثاني)
كان النص يعرض الكلمات التالية:
 ** لقد نجحت في عبور المرحلة الاختبارية، وإثبات جدارتك للاستمرار، اضغط ذر (موافق) للانتقال إلى المغامرة الحقيقية، ولا تنس أنه في الغابة الملعونة، يكون الموت هو أسهل خياراتك ... واحذر، إذا بدأت فليس هناك طريقة للتراجع، وسيكون عليك أن تكمل حتى النهاية، أو تبتلعك ظلمات الغابة الملعونة إلى الأبد **
ضغطت ذر (موافق) بعفوية ... فانبعث صوت انفجار قوي في المكان مزق طبلتي أذني، وسحق خلايا مخي ... اختفى التلفاز فجأة من مكانه، وحل محله فجوة كبيرة سوداء، تدور في قلبها غيمات رمادية حول مركزها المظلم، بدت لي تلك الفجوة كثقب أسود يحلق في الفضاء ... توقف الزمن لثانية واحدة، شعرت فيها بجسدي معلق في جو الغرفة، وبدوار هائل يكتنف عقلي، وبالمرئيات تزوغ أمام ناظري، كنت موشكا على فقدان الوعي ... عاد الزمن ليتحرك من جديد، ولكن تلك المرة بسرعة مضاعفة، شعرت بجسدي يندفع نحو الثقب الأسود، ويلجه، ويندفع نحو قاعه المظلم بنفس السرعة، أخذت أحرك يدي حركات يائسة، عاجزة، رفعت رأسي ونظرت إلى غرفتي عبر الفجوة المفتوحة، التي أخذت تبتعد وتبتعد حتى تحولت إلى نقطة بيضاء، سرعان ما ابتلعها الظلام الذي غبت فيه تماما.
-         خذ هذا.
طوح لي ذلك الفارس الذي يجلس على صهوة جواده الأسود القوي، بشئ ما، فالتقطه ببراعة، وأنا أقول:
-         ما هذا !؟
-         إنه خنجر من الفضة، ستحتاجه.
دسست الخنجر في ثيابي، وأنا ألكز الجواد الذي امتطيه بقدمي، لأحثه على السير ... متى تعلمت ركوب الخيل!؟ سؤال لا أملك الإجابة عنه في هذا اللحظة، فآخر عهدي بركوب الدواب، كان في عيد ميلادي الخامس، عندما اصطحبني والدي إلى حديقة الحيوان، وطلبت منه حينها ركوب ذلك الحمار الأجرب، ذو الذيل الأذعر، فسمح لي ... كنا ثلاثة من الفرسان على ظهر جيادهم، مدججين بالسيوف، نرتدي دروعا من الجلد السميك فوق ثيابنا، وخوذات معدنية على رؤوسنا، من الواضح أننا في مهمة ما، ومن الواضح أيضا، أنني قائد هذه الفرقة الصغيرة ... كنا نسير في طريق ممهد وسط غابة من الأشجار الكثيفة، في تلك الليلة ذات القمر المكتمل، المضئ.
فجأة وقعت عيناي على ذلك الشريط الأزرق المعلق على واحدة من تلك الأشجار، فحولت وجهي نحوه، فتحرك الشريط مبتعدا، حركت رأسي يمينا ويسار، فكان الشريط يتحرك مع حركة رأسي في كل مرة، ليبقى دائمة في أعلى زاوية بصري، وكأنه مرسوم على مقلة عيني ... وإلى جانب الشريط كانت هناك نسبة مئوية بالأرقام العربية (100%) ... شعرت بالرعب، وبالقشعريرة الباردة تتسلل عبر أطرافي وعمودي الفقري، أنا خبير في ألعاب (الفيديو)، وأفهم أن هذا الشريط يبدو كمؤشر القوة المصاحب دائما لبطل اللعبة، وهو الآن على قيمته القصوى كما يبدو، صعقتني الحقيقة في لحظة واحدة، وصرت أفهم ما يحدث، أنا الآن داخل تلك اللعبة اللعينة، امتطي جوادا متجها إلى قلب غابتها الملعونة، في مهمة لا أعلم عنها شيئا، وعلي أن أكمل تلك المهمة حتى نهايتها إذا أردت الخروج، لقد علمت من اللحظة الأولى أن تلك اللعبة تحمل داخلها، سرا مرعبا، ومخيفا.
سألت صاحبي:
-          ما هي مهمتنا إذا.
تبادل كلاهما النظرات الحيرى، قبل أن يرد علي أحدهما:
-         أنت تعلم أيها القائد.
حدقت في وجهيهما للحظات، فلمحت كانت ملامح الجدية والخوف مرتسمة عليهما، فقلت محاولا الفهم:
-         بالطبع أعلم، ولكنني أريد أن أتأكد أنكما تفهمان ما نحن مقدمين عليه بشكل جيد.
وقبل أن ينطق أيهما بكلمة، اهتزت الشجيرات، والآجام بقوة، وبدا أن هناك من يتحرك خلفها متجها نحونا، صرخ واحد من صاحبي:
-         احذرا، إنه هنا.
ثم نزع سيفه من غمده، وتراجع بجواده إلى الخلف، ففعلنا مثله، ووقفنا نترقب اهتزاز الشجيرات العنيف، كنا ننتظر في توجس، وقلق، ما سيخرج من خلفها بعد ثانية.
(السؤال الثاني ... ترى ما الذي خرج من وراء تلك الشجيرات!؟)
.
(المشهد الثالث)
فجأة انشق صف الشجيرات، ووثب من خلفه وحش ضخم، وانقض على الفارس الأول، فأسقط جواده على الأرض، فتدحرج الفارس وزحف مبتعدا ... وجه الوحش ضربة قوية بمخالبه إلى بطن الجواد، فبقره، وتدلت منه أحشاؤه خارجا في مشهد مفزع، أخذ الجواد يصهل في ألم، وهو يحاول النهوض، والهرب، ولكنه لم يستطع وذلك الوحش يربض فوقه ... صرخ الفارس الثاني:
-         المستذئب.
ثم اندفع نحوه، وهو يشيح بسيفه يمينا، ويسارا، فاستقبله المستذئب بوثبة أخرى مفاجئة، أطبق فيها على رأس الفارس بين فكيه، وانتزعه من فوق جواده وأسقطه على الأرض، ثم بدأ ينهش، ويمزق في جسده بشراسة، وهو يزمجر زمجرات غاضبة، مسعورة، قبل أن يرفع رأسه متوجها للقمر، ويرفع عقيرته بعواء طويل مرعب ... كنت متجمدا في مكاني من الرعب، والذهول، أعجز عن الإتيان بأي رد فعل، فتلك هي المرة الأولى التي أرى فيها مستذئبا رأي العين، لقد كان أضخم، وأشرس، وأقبح بكثير من أكثر تصوراتي جموحا، كان يحمل فرائا رماديا منتفشا، وأنيابا بيضاء، حادة، لامعة، يسيل الشدق منها ومن فمه في جشع، له مخالب مشرعة كالسيوف، كان يتحرك معتدلا على قدميه، وعندما يجري يقعي على أربع ... صرخات طويلة، غاضبة، أطلقها الفارس الأول وهو يهجم على المستذئب، ويصيبه بنصل سيفه إصابة قوية في صدره ... زمجر المستذئب متألما، ثم انقض على الفارس، ووجه له ضربة قوية بمخالبه مزقت عنقه، فتدحرج رأسه، واستقرت تحت سنابك جوادي.
لقد سقط صاحباي في الثوان الأولى من المعركة، وها أنا وحدي أواجه ذلك الوحش الرهيب، الذي بدأ يقترب مني وهو يطلق نفس الزمجرات المسعورة، المتوعدة ... ترجلت عن الجواد الذي كان يرتعد من فرط الخوف ويصهل صهيلا مذعورا، متوجسا ... صفعت الجواد على مؤخرته، فهرع مبتعدا دون أن يلوي على شئ، وقد بدا سعيدا أنني أعفيته من هذه المواجهة القاتلة... أخرجت سيفي، وأخذت أحركه مهددا المستذئب، كنت أشعر بالقوة والخفة، والبراعة في استخدام السيف، وكأنني كنت استخدمه منذ نعومة أظافري، بالتأكيد هذه اشياء لا أملكها في عالم الواقع، بل هي صفات خاصة بشخصيتي داخل اللعبة، أنا أفهم ذلك بالطبع من خبرتي في هذا المجال ... فجأة، قاطع المستذئب تلك الأفكار، بوثبة قوية وثبها نحوي، زغت منه بمرونة، وأنا أصيبه بسيفي إصابه ظننتها قاتلة في رقبته، ولكنه بدا غير متاثرا بها على الإطلاق، حتى أن الجرح أخذ في الالتئام بسرعة كبيرة حتى زال تماما ... دار المستذئب دورة واسعة، وهو يخطط لهجمة أخرى، وقد أدرك أن خصمه هذه المرة أقوى من سابقيه ... هجم المستذئب، فتدحرجت دحرجة أفقية، محاولا الابتعاد، ولكن مخالبه نجحت في تمزيق كتفي ... شعرت بألم رهيب كأن عمود من النار قد انغرس فيه، نظرت إلى مؤشر القوة فوجدته ينخفض إلى (90%) ... مرة أخرى أصيب المستذئب، إصابة قاتلة، ولكنها لم تؤثر فيه كالأولى، أنا بارع واستطيع المناورة وتوجيه ضربات للخصم وإصابته، ولكن تلك الطريقة لا تنجح مع هذا الوحش.
استمر القتال بيننا لدقائق بدت كأنها دهر، نجحت في أصابته عشرات المرات، أصابات سرعان ما كانت تلتئم وكأنها لم تكن، ونجح هو في أصابتي مرتين في رجلي اليسرى وظهري، مؤشر القوة يواصل الانخفاض إلى (80%)، لا أعرف كيف يمكنني أن أهزم هذا الوحش!؟
(السؤال الثالث ... كيف يستطيع البطل هزيمة المستذئب!؟)
.
(المشهد الرابع)
فجأة تذكرت ذلك الخنجر الفضي الذي أعطاه لي أحد الفارسين في بداية المغامرة، يقولون أن للفضة تأثير قوي على المستذئبين، سأجرب هذا الآن ... أخرجت الخنجر من ثيابي، في نفس اللحظة التي كنت أقفز فيها مبتعدا لتفادي هجمة أخرى من هجمات المستذئب ... في تلك المرة قررت أن أكون انا المبادر بالهجوم، فوجئ المستذئب بهجومي الشجاع، فتراجع للخلف متفاديا ضربات سيفي الناقعة، قبل أن يندفع نحوي في وثبة قوية، تمددت على الأرض متفاديا الوثبة، فمر من فوقي على مسافة بوصات قليلة، قمت باستغلال ذلك الوضع وغرست الخنجر الفضي، في بطنه حتى مقبضه.
صرخ المستذئب صرخات متألمة، وسقط على جانبه، وهو يخور ويزمجر في غضب، حاول الاعتدال، ولكنه سقط من جديد، حاول المقاومة قليلا، ثم خارت قواه وخمدت حركته، وأمام عيني بدأ جسد المستذئب يتلاشى تدريجيا، قبل أن يتحول إلى غبار، تطاير في هواء الغابة الملعونة.
لقد انتصرت، لقد انتصرت، أنا الفائز، هيا أيتها اللعبة اللعينة أعيديني إلى عالمي ... انتبهت إلى تلك الحقيبة التي ظهرت مكان جسد المستذئب المتلاشي، اقتربت منها، وفتحتها، كان بها رغيف من الخبز، وزجاجة ماء، وقارورتين كقوارير الدواء، ورق جلدي مدبوغ عليه كلمات باللغة العربية ... كنت أشعر بالجوع، والأرهاق فتناولت الخبز وأتبعته بالماء، أشعر بأنني أفضل حالا، بل أن بعض جروح جسدي قد بدات  تلتئم، نظرت إلى مؤشر القوة فوجدته قد ارتفع إلى (90%)، أنا أفهم قواعد اللعبة، وهي القواعد المعتادة في معظم ألعاب (الفيديو)، الإصابات تخفض القوة، والخبز والماء يزيداها ... نظرت إلى القارورة الأولى والتي كانت تحوي سائل شفاف، قرأت المكتوب على من الخارج:
** ترياق الهواء، يجعلك تكتسب صفاته **
أما القارورة الثانية فكانت تحوي بداخلها سائل أرجواني اللون، ومكتوب عليها:
** ترياق الدليل، دليلك عندما تضل الطريق**
أما الرق الجلدي فكان مكتوبا عليه جملة واحدة:
** إذا لم ينفعك أول الأمر، فعليك بآخره **
أعدت كل تلك الأشياء إلى الحقيبة، وعلقتها على ظهري، ونهضت متوجها إلى قلب تلك الغابة الملعونة، أسمع صوتا، كأن هناك من يحرك جرسا، أو يدق حجرين ببعضهما بانتظام، قررت التوجه مباشرة إلى مصدر هذا الصوت.
كنت أسير نحو ذلك الصوت، مخترقا تلك الأحراش، والآجام، وأنا أفتح طريقا بينها بسيفي، كانت الغابة تزداد كثافة، وأشجارها تتقارب، وتتداخل فروعها الوارفة، فتجعل السير فيها غاية في الصعوبة، كان دليلي هو ذلك الصوت الذي أتبعه، والذي بدأ يعلو، ويرتفع، مؤكدا أنني أصبحت قريبا للغاية من مصدره ... أزحت شجيرة كثيفة فبدا من خلفها طريقا ممهدا، سرت فيه خطوات، قبل أن اكتشف مصدر الصوت، الذي كان راقدا في منتصف الطريق الممهد، ملتفا حول نفسه، بجلده الأسود اللامع، وذيله المنتصب الذي يصلصل كالجرس، وطوله الذي يزيد عن العشرة أمتار، وقطر جذعه الذي يتجاوز العشرة بوصات، كان كابوسي التالي ثعبانا، أو حية، أنا لست خبيرا في تلك الأشياء، ولكنني استطيع القول أن هذا الثعبان في ضعف ضخامة ثعبان البوا، ولونه كالحية السوداء، وله ذيل مصلصل كحية الجرس، وله قرنين على جانبي رأسه كالطريشة، والأسوء هو فكه وأنيابه التي تقطر بالسم، وصدره المنتفش المنتصب كالكوبرا الملكية، لقد صنعت لي تلك اللعبة خليطا من أسوء أنواع الثعابين والحيات، وأكثرها شرورا.
خاطرتني فكرة، لماذا علي أن اسير من هذا الطريق وأواجه هذا الشيطان، يمكنني أن أعود وأختار طريقا آخر، وبالفعل بدأت في تنفيذ تلك الفكرة، وبمجرد أن فعلت، ظهرت بوصلة صغيرة إلى جانب شريط القوة، واهتز مؤشرها بقوة وتلون باللون الأحمر، علامة على أنني أسير في الطريق الخطأ، عدت مرة أخرى إلى الممر فهدأ مؤشر البوصلة، واكتسب لونا أخضر، تمتمت بضيق:
-          من الواضح أنه علي أن أخوض الطريق المرسوم مسبقا، وأواجه المخاطر التي فيه، إذا أردت أن أخرج من هذه اللعبة.
صمت للحظة، ثم أردفت:
-         هذا منطقي للغاية، فهي في النهاية لعبة.
أخرجت سيفي من غمده، واقتربت من الثعبان في حذر، الذي استمر يحرك ذيله، ويصدر ذلك الصوت المحطم للاعصاب، فجأة وثب الثعبان نحوي دون أي مقدمات مشرعا فكه وأنيابه ومزمعا أن يغرسهما في عنقي ... أمسكت بعنق الثعبان بيدي اليسرى، قبل لحظة واحدة من حدوث ذلك، أخذ الثعبان يهتز بجنون، وهو يحرك رأسه، وفكيه محاولا تحرير نفسه من قبضتي، ثم بدأ يسحب جسده الطويل الضخم، ويلتف حولي، ويعصرني بقوة خارقة، أرى مؤشر قوتي ينخفض بسرعة، لقد كان ذلك الشيطان قويا للغاية ... ببراعة لا أمتلكها في الحياة الواقعية، حررت يدي اليمنى الممسكة بالسيف ثم قطعت رأس الثعبان بضربة واحدة، فسقطت على الأرض، واختفت بنفس الطريقة التي اختفى بها المستذئب آنفا ... احتجت لدقيقة حتى حررت نفسي من ذلك الجسد القوي العاصر، وألقيته جانبا ... في النهاية لم تكن هزيمة ذلك الشيطان بتلك الصعوبة.
قررت مواصلة السير، ولكن ما أن ابتعدت خطوتين حتى وصل إلى مسامعي صوت صلصلة الجرس مرة أخرى، فالتفت لأجد ذلك الثعبان منتصبا على جذعه، يزحف متوجها نحوي، وقد نما له رأسين مكان الرأس المقطوع، في تلك المرة كنت أنا الأسبق في الهجوم، لن أضيع الوقت في محاولة الفهم، لن تحتمل قوتي عصرة أخرى من ذلك الثعبان الرهيب، لذا استقبلته بضربتين دقيقتين أطاحتا برأسيه ... لست ذكيا، ولكن كان يجب أن أتوقع ما سيحدث بعد ذلك قبل أن أقدم على هذا الهجوم، فهذا الشيطان يملك أيضا صفات من (الهيدرا) الأسطورية، فرأسه المقطوع يستبدلها بأثنين، هكذا وجدت نفسي في مواجهة ثعبان عملاق يحمل أربعة رؤوس!
(السؤال الرابع ... كيف يمكن للبطل هزيمة ذلك الثعبان الرهيب!؟)
..(نهاية الجزء الأول – يليه الجزء الثاني والأخير) ..



قصة رعب بعنوان ... (سيد الغابة الملعونة – الجزء الثاني والأخير)
(المشهد الخامس)
كان الوضع صعبا للغاية، حاولت في البداية الهرب، ولكن ذلك الثعبان لحق بي وحاصرني بسهولة، وأخذ يدور حولي، ورؤوسه الأربعة تحرك أنيابها وألسنتها في جشع تنتظر اللحظة المناسبة للهجوم علي، يمكنني أن أصمد لثوان أخرى بقطع المزيد من الرؤوس، ولكن في النهاية ستهزم الكثرة الشجاعة، وأجد تلك الأنياب وقد انغرست في جسدي، ودفقت فيه كيلوغرامين من أقسى أنواع السموم، وقد لا أموت بالسم، مع تلك القوة العاصرة الرهيبة التي يمتلكها هذا الشيطان ... على الآن أن افكر في طريقة أخرى، هي في النهاية لعبة، ومن المؤكد أن هناك طريقة للفوز!
فجأة تذكرت ذلك الرق الجلدي الذي يحمل نصيحة بدت لي مبهمة سابقا :
** إذا لم ينفعك أول الأمر، فعليك بآخره **
تذكرت ذلك في نفس اللحظة التي وثبت فيها الرؤوس الأربعة نحوي، زحفت على الأرض متفاديا الوثبة وتدحرجت إلى جانب جسد الثعبان، حتى صرت قريبا من ذيله المصلصل، لم يفلح معي رأس الثعبان وأول أمره، إذا علي بآخره كما تقول نصيحة الرق الجلدي، وهكذا وجهت ضربة قوية، قاطعه إلى ذيل الثعبان، فصلته عن جسده، وجعلته يتدحرج بعيدا عنه، ثم انتهى كل شئ، ففي لحظة واحدة اختفي الثعبان، ورؤوسه، وذيله، لقد انتصرت هذه المرة أيضا.
عثرت مكان الثعبان، على رغيف خبز آخر وماء، فتناولتهما بسرعة، وألقيت نظرة على مؤشر القوة، لقد خسرت الكثير من قوتي في هذه المعركة، فالمؤشر يشير إلى (60%) فقط، على الآن مواصلة تلك المغامرة حتى نهايتها.
سرت في الغابة الملعونة لنصف ساعة أخرى مهتديا بالبوصلة المرسومة على مقلة عيني، حتى وصلت إلى فسحة وسط الأشجار الكثيفة، فكرت أن أرتاح بينها قليلا، ولكن عيني سقطت على خمسة هياكل عظمية لفرسان كما يبدو من تلك السيوف والدروع الموجودة معهم، يبدو أنهم فكروا أيضا في اللجوء للراحة بتلك الفسحة، فلاقوا منيتهم فيها، وصارت لهم قبرا، أتوقع حدوث كارثة أخرى بعد ثوان، فأنا كما تعرفون خبير في تلك الألعاب، وأعرف جميع خدعها.
   اقتربت لتفحص أحد تلك الهياكل العظمية، فأثار انتباهي تلك القلادة الذهبية التي يرتدونها جميعا على صدورهم، لفت نظري أكثر كلمة (حياة) المنقوشة عليها، ممدت يدي لالتقطها، فانتصب الهيكل العظمي، بل انتصب خمستهم، والتقطوا سيوفهم، ودروعهم، وهجموا علي هجمة قوية، بضربات متوالية من سيوفهم، كانت المفاجأة كبيرة، حاولت الابتعاد بسرعة، ولكن بعض الضربات طالتني، من حسن حظي أنها لم تكن مميتة ... الآن ذهبت المفاجأة، وبدأت أصد ضرباتهم بسيفي، وأرد بالمثل، بعد لحظة أصبت أحد الهياكل في عمودة الفقري إصابة قوية، فتفكك بنيانه، وتناثرت عظامه، وسقط على الأرض، حسنا، لقد صاروا أربعة الآن، وهذا يجعل فرصتي أكبر، مع تلك البراعة التي أمتلكها في استخدام السيف، وتلك الرشاقة في المناورة، والكر، والفر ... ولكن أمام عيني تجمعت عظام ضحيتي وانتصب هيكلها العظمي مجددا، وانضم إلى أصحابه، فعادوا خمسة من جديد، تمتمت بغضب:
-         لماذا لا تموت مخلوقات تلك الغابة ببساطة؟
(السؤال الخامس ... كيف يمكن للبطل تخطي تلك الهياكل العظمية!؟)
.
(المشهد السادس)
كنت أتابع تلك الهياكل العظمية بعيني صقر، وهي تتحرك حولي بتناغم، واتفاق، كفريق واحد، في محاولة لمحاصرتي في المنتصف، حتى يصبح الإجهاز علي أمرا سهلا، وأنا لن أعطيها الفرصة ... فهجمت عليها بجرأة هجوم جديد، أدى إلى سقوط المزيد من الهياكل العظمية، وجرح إضافي في ساعدي، وخسارة المزيد من قوتي كما يشير المؤشر، وكما حدث في المرة الأولى عادت الهياكل الصرعى للانتصاب من جديد، لقد قتلت شيئا مقتولا في الأساس، ولكنه يصر على العودة للحياة في كل مرة، صرخت بظفر:
-         الحياة ... إنها الحياة لقد وجدتها.
اندفعت نحو الهياكل العظمية مهاجما في تلك المرة، وليس مدافعا، فأربكهم هجومي هذا، وعندما صرت بالقرب من أولها وجهت ضربة بسيفي، ضربة دقيقة نحو هدف محدد، نحو القلادة التي تحوي نقش الحياة المعلقة على صدره، أصابت ضربتي هدفها بدقة، فأصدرت القلادة طنينا مكتوما ثم انفجرت بضوء قوي، واختفت، واختفى معها الهيكل العظمي، التفت إلى باقي المهاجمين، وصحت فيهم:
-         لقد صرتم أربعة هذه المرة بحق أيها الجبناء.
ثم اندفعت نحوهم ... لم تستغرق المعركة وقتا طويلا تلك المرة بعد أن عرفت السر، وبدا أن مهاجمي صاروا أقل عزما وقوة، فنجحت في الإجهاز عليهم حتى آخر واحد فيهم ... أراجع الآن مؤشر القوة الذي صار (45%) وقد تغير لونه من الأزرق إلى الأصفر دلالة على الخطر ... أواصل المسير مجددا نحو المغامرة التالية، لقد صارت تلك اللعبة مثيرة للغاية، رغم كل الألم والإرهاق والرعب الذي أشعر بهم.
كانت الغابة تزداد وعورة، وأشجارها تزداد تشابكا، أصبح السير فيه يحتاج إلى جهد هائل، ألاحظ أن مؤشر القوة قد تناقص بالفعل بسبب جهد المسير داخل تلك الغابة اللعينة ... وصلت إلى جسر خشبي يمر فوق بحيرة صغيرة ويصل إلى الضفة الأخرى، كانت بوصلتي تشير أنه علي أن أعبر ذلك الجسر، أي خطر ينتظرني عليه!.. كان الجسر محاطا بمجموعة من الأشجار التي تمتد جزورها إلى عمق البحيرة، وهناك عدد كبير من القرود تتقافز بين فروع تلك الشجيرات، دققت النظر فيها قليلا، ثم تمتمت بتوتر:
-         اللعنة، إنها ليست قرودا، إنها شياطين صغيرة.
بالفعل كانت تلك المخلوقات التي تتقافز بين الشجيرات تشبه الشياطين كما صورها رساموا عصر النهضة، كقرود صغيرة بأنياب مددبة، وقرنين على جانبي رأسها، وذلك الذيل الطويل الذي ينتهي بنهاية مدببة تشبه رأس الحربة ... تقدمت حتى حافة الجسر، لم يبد أن تلك الشياطين تعيرني انتباها، وهي تعبث، وتتناوش، وتتقاتل فيما بينها ... خطوت خطوتين فوق ذلك الجسر الخشبي، فاهتزت ألواحه الضعيفة، المهترئة تحت قدمي، خطوت خطوة أخرى إضافية، فانفتحت أبواب الجحيم فوق البحيرة ... في لحظة واحدة اشتعلت النيران في أجساد تلك الشياطين، أو أنهم تحولوا إلى كيانات نارية مشتعلة من تلقاء أنفسهم، ثم بدأت تلك الشياطين تطلق صرخات، وعويل، وعواءات مرعبة، قبل أن ترسل قذائفها المشتعلة نحوي، الألاف من القذائف المشتعلة التي ارتفعت في السماء، ثم توقفت للحظة بفعل القصور الذاتي، وبدأت تهبط جميعها نحوي، بسرعة كبيرة.
كانت المفاجاة كبيرة، وغير متوقعة، أخرجت سيفي، وأنا أتراجع للخلف، وأحاول أن أبعد تلك القذائف عني، نجحت في إبعاد العشرات منها، ولكن بعضها أصابني، فشعرت بالحروق تلهب جسدي، كانت تلك الشياطين، تواصل إطلاق القذائف بلا توقف، وكنت أنا أنسحب وأحاول حماية نفسي من تلك القذائف، حتى تراجعت عن الجسر تماما، في تلك اللحظة هدأ كل شئ، وعادت الشياطين إلى هيئتها القردية، وتوقفت عن إطلاق القذائف، وعادت لما كانت تفعله من العبث، والتناوش، قبل ان أخطو بقدمي فوق الجسر، من الواضح أن هذه الشياطين تحمي الجسر، وتمنع الناس من عبوره، ولكن كيف يمكنني أن أعبره في وجودها!؟     
(السؤال السادس ... كيف يمكن للبطل عبور جسر الشياطين!؟ J)
.
(المشهد السابع)
سؤال يبحث عن إجابة، كيف يمكنني عبور هذا الجسر، في وجود تلك الشياطين القاذفة للهب، التي تحميه ... قفزت الإجابة إلى ذهني مرة واحدة، أحتاج أن أصير خفيا كالهواء حتى أعبره، أتذكر الآن ترياق الهواء الذي حصلت عليه وتلك الكلمات التي كانت مكتوبة على زجاجته:
** ترياق الهواء، يجعلك تكتسب صفاته **
شربت السائل الشفاف من الترياق، فظهر رقم (10) على مقلتي إلى جانب البوصلة والشريط الذي يمثل مؤشر القوة، تبدل الرقم بسرعة إلى (9)، ثم (8)، إنه عداد عكسي للأرقام، من الواضح أن تأثير هذا الترياق لا يستمر سريعا، انطلقت أعدو بسرعة فوق ألواح الجسر المهتزة، (5 ... 4 ... 3)، كنت قد قطعت نصف المسافة، أسرعت أكثر واكثر، واقتربت من الضفة الأخرى سريعا (2 ... 1 ...  صفر)، خطوات قليلة كانت تفصلني عن الضفة الأخرى عندما فتح الجحيم أبوابه ثانية، وانطلقت قذائف اللهب من جديد، ولكنها لم تطالني في تلك المرة، فبقفزتين طويلتين عبرت الجسر إلى الضفة الأخرى ... نصر جديد لي، وتقدم آخر في مجاهل تلك الغابة الملعونة، التقطت رغيف الخبز والماء اللذان كانا في انتظاري على الضفة الأخرى وتناولتهما بسرعة، وشعرت ببعض الراحة، راجعت مؤشر القوة الذي تحول إلى اللون البرتقالي وقيمته التي صارت (25%)، علامة على أن الخطر يتزايد.
تفحصت الضفة الأخرى، إنها تحوي آجاما وشجيرات متراصفة، وممتدة إلى مالا نهاية، آجام تم تشذيبها لتبدو كسور في منتصفه باب ومدخل وحيد، لا أحتاج البوصلة لأعرف أنه علي أن أدخل من هذا الباب ... دخلت الباب، وسرت في ذلك الممر الممهد الذي تضيئه أشعة القمر الفضي، كانت الآجام تشكل ممرا إجباريا يجب علي السير فيه حتى نهايته، التي كانت تتفرع إلى ممرين مماثلين، سلكت  الأيمن من بينهما فقادني إلى ممرين آخريين في نهايته، فسلكت الأيسر الذي كان كسابقيه، بعد خمس عشرة دقيقة، أدركت أنني داخل متاهة كبيرة، معقدة المسالك، متاهة تمتد إلى مالا نهاية.
عندما سمعت تلك الخطوات الثقيلة، تطئ الأرض مقتربة من نهاية الممر الذي أسير فيه، وذلك الخوار، حدثت نفسي بصوت خفيض:
-         إذا كانت هناك متاهة، فيجب أن يكون فيها (مينوتور).
أنهيت جملتي، فصدق على حقيقتها ظهور ذلك العملاق الضخم ذو الجسد البشري العضلي الذي يناهز الأمتار الثلاثة، ورأس الثور وقرنيه وقائمتيه، قادما من نهاية الممر!.. كان شكله مرعبا للغاية بذلك الحجم الضخم، والقوة العضلية المفرطة، أخرجت سيفي من غمده، وتراجعت في حذر ... دق (المينوتور) الأرض بقائمته مهددا، ثم اندفع نحوي بسرعة هائلة، محنيا رأسه، ومبرزا قرنيه الطويلين، الحادين كالسيوف ... تقدمت بسرعة نحوه، سأحاول ان أفعل ما يفعله (الماتادور) الأسباني، سأغرس سيفي في رقبته، وابتعد في اللحظة الأخيرة، متجنبا هجمته القوية.
نجحت في الجزء الأول من خطتي وغرست سيفي في مقتله، ولكنني لم أنجح في تفادي نطحة (المينوتور) التي أطاحت بي لأمتار، لأسقط على الأرض، وأنا أشعر أن كل عظمة من عظامي قد تفتت، نهضت بسرعة متوقعا الهجوم الثاني، ولكن (المينوتور) كان قد اختفى من الواضح أنني نجحت في القضاء عليه، التقطت سيفي وأعدته إلى غمده، في نفس اللحظة التي وصل فيها إلى مسامعي صوت خوار آخر يأتي من بعيد، من الواضح أن تلك المتاهة، لا يعيش بها (مينوتورا) واحدا بل هي مرتع لجماعة منها، نظرت إلى مؤشر القوة الذي صار لونه أحمر كالدم، وقيمته صارت (15%) فقط، جعلني هذا أدرك حقيقة هامة، وهو أنني لا احتمل مواجهة مع (مينوتور) آخر، وانه علي الخروج من تلك المتاهة في أسرع وقت.     
(السؤال السابع ... كيف استطاع البطل الخروج من متاهة (المينوتور) !؟)
.
(المشهد الثامن)
قادتني الكرة الأرجوانية المشعة عبر ممرات المتاهة إلى خارجها، متفادية كائنات (المينوتور) التي تعيش فيها، تنهدت بأريحية عندما وجدت نفسي خارج المتاهة ... قبل دقيقة واحدة، حسبت أنني لن استطيع الخروج من ممراتها المتشابكة، وأنني سأفقد الخمس عشرة نقطة المتبقية في رصيدي في صراع مع كائنات (المينوتور) المنتشرة فيها ... في البداية نظرت للبوصلة فوجدتها معطلة وقد تغير لونها إلى اللون الأسود، من الواضح ان البوصلة لا تعمل داخل المتاهة، حاولت اختراق الآجام بسيفي وجسدي لأصطدم بسور خفي من الطاقة يمنع المرور، ويجبرك على السير في ممرات المتاهة المحددة ... هنا تذكرت الغرض الأخير الذي أحمله معي:
** ترياق الدليل، دليلك عندما تضل الطريق**
وأنا بالفعل قد ضللت طريقي، وليس هناك مكان أضلل من تلك المتاهة اللعينة، وممراتها المعقدة ... أخرجت زجاجة الترياق، كنت أعتزم شربه كما فعلت بترياق الهواء، ولكن بمجرد أن رفعت الغطاء، فار السائل الأرجواني داخل القارورة، وفاض من فوهتها ... ألقيت القارورة بجزع، فاستمر تفاعل السائل فيها وخروجه منها قبل أن يتجمع على الأرض في بقعة أرجوانية، بدأت تشع وتتشكل، حتى صارت بشكل كرة، ارتفعت في الهواء وسبحت أمام وجهي، ثم بدأت تتحرك مبتعدة، وكأنها تدعوني للحاق بها. 
أقف الآن أمام بناء ضخم، كأنه قلعة من الصخر، له باب كبير من الخشب، البوصلة عادت للحياة، وتشير يجنون إلى الباب ... اقتربت من الباب، وطرقته بيدي، فأصدرت طرقاتي صوتا عاليا، أجوفا، ومزعجا، لا يتوافق مع قوة تلك الطرقات، قبل أن ينفتح مصراعي الباب تدريجيا، وهما يصدران ضجة عالية، وصوت كصوت الرعد، وزلزلة شعرت بها أسفل قدمي، تراجعت للخلف في قلق، فاستمر المصراعين في الابتعاد عن بعضهما، حتى توقفا وصار الباب مفتوحا تماما ... اقتربت، ودخلت من الباب، فكان الداخل عبارة عن بهو متسع، مزدان بالتحف، والمشاعل، واللوحات، بدا المكان كأنه بلاط أحد الملوك ... في المنتصف كان هناك عرش ذهبي، يجلس عليه وحش بجسد بشري، ورأس بالملامح التي كانت مرسومة على علبة اللعبة، وجه قبيح مرعب وعينين بيضاوين تحدقان إلى روحك ... نهض ذلك الوحش من فوق العرش، ونزل الدرج الصخري المكون من مستويين، وتقدم مباشرة نحوي ... ألمح مؤشر جديد يظهر إلى يمين نظري، مؤشر مكتمل باللون الأزرق، والقيمة (100%)، عكس مؤشري الأحمر الذي يشير الآن إلى القيمة (15%).
لم أشعر بالرهبة، تقدمت من الوحش حتى لاقيته في منتصف البهو، وقلت له بغلظة:
-         إذا أنت سيد هذه الغابة الملعونة.
رفع الوحش يده وخلع رأسه، لا لم يكن رأسا، بل كان قناعا يخفي تحته ملامحه البشرية العادية، سألته بصوت متلجلج:
-         أنت بشري؟
-         أجل.
قالها ثم رفع سيفه، وهو يردف:
-         أنا أشهد لك بالبراعة، لوصولك إلى هنا، والحقيقة أن القليل جدا هم من وصولوا إلى بلاط (سيد الغابة الملعونة)، وتحدوه.
رفع ذوءابة سيفه وأشار بها إلى ركن من المكان، فتيعتها بناظري، إلى مجموعة من الهياكل العظمية، والجثث المتحللة، المتعفنة ... قبل أن يصرخ، وهو يهاجمني بسيفه:
-         وجميعهم لاقوا نفس المصير، الموت.
(السؤال الثامن ... ترى كيف انتهت تلك القصة، هل تستطيع توقع نهايتها !؟)
.
(المشهد الختامي)
صددت ضربته بسيفي، وتراجعت للخلف مناورا، كان ذلك اللعين قويا للغاية، ويناور ببراعة ومهارة تقارب مهارتي، يهاجم في اللحظة المناسبة، ويتراجع في اللحظة المناسبة، إنه خصم قوي ... لاحظت أن قوة مؤشري قد تراجعت إلى (14%) في حين ان قوة مؤشر خصمي كما هي، من الواضح أن إطالة هذه المعركة ليست في صالحي، دفعتني تلك الفكرة إلى الهجوم في مناورة بارعة، مخادعة، مكنتني من إصابة خصمي الذي تناقص مؤشر قوته إلى (90%)، صرخ في غضب وألم، فقلت متشفيا:
-         تبقت لك 9 ضربات أخرى يا (سيد الغابة الملعونة).
-         ومن سيسمح لك بذلك.
كر علي بقوة، في فاصل من الضربات المتنوعة، تعثرت قدمي لسوء الحظ في شئ ناتئ من الأرض، تمالكت نفسي قبل السقوط، ولكن ذلك أعطى منافسي فرصة ليصيبني بسيفه، تراجع مؤشر قوتي إلى (4%)، وهذا يعني أن ضربة واحدة إضافية ستقضي علي، وتجعل جسدي ورفاتي بين تلك الرفات والعظام التي يتفاخر بها هذا الملعون ... صحت بغضب:
-         لقد نجحت في إثارة غضبي ... أتعلم ماذا يعني هذا؟
-         ماذا يعني؟
-         نهايتك؟
في الدقائق التالية، كنت أتحرك، وأقفز، وأزحف، على الأرض وأوجه ضربات بالسيف، وكأنني أقبض على ذراع الألعاب وأضغط أذراره التي أحفظها عن ظهر قلب، في تتابع وسرعة تفوق سرعة النجوم في أفلاكها ... جحظت عينا خصمي، الذي عجز تماما عن مجاراتي، ولا عن تفادي ضربات سيفي التي أخذت تنهال عليه، ثمان ضربات أصابت جميعها هدفها، تراجع (سيد الغابة الملعونة) وهو يلهث من التعب والألم، وكنت أنا على نفس الحال، مؤشره يشير إلى (10%) ومؤشري يشير إلى (1%)، قلت بصوت متهدج:
-         من يصيب خصمه يفوز.
فكرر كلامي بصوت خائر:
-         من يصيب خصمه يفوز.
اندفع كلانا نحو الآخر، كان هو الأسبق فقد قفز نحوي ووجه لي ضربة قوية بسيفه، ولكنني زحفت لأسفل وتفاديات سيفه الذي مر فوق أنفي ببوصة واحدة، اعتدلت وقد صرت خلفه، ووجهت سيفي للوراء في المكان الذي توقعت أن يكون قد حط في ... سمعت صرخة الألم، ورأيت مؤشر خصمي وقد تحول إلى اللون الأسود وهو يعرض الرقم (صفر%)، التفت للخلف، فوجدت سيفي مغروسا حتى قبضته في ظهر خصمي، الذي ترنح ثم سقط على الأرض ... صحت بظفر:
-         لقد انتصرت ... لقد انتصرت.
انتبهت إلى أن خصمي يحاول الكلام، فاقتربت منه متسمعا ما يقوله، فوجدته يتمتم:
-         شكرا لك ... شكرا لك.
-         لماذا تشكرني!؟
ابتسم، فسال خيط من الدماء من شدقه، وهو يقول:
-         أنت الآن (سيد الغابة الملعونة).
-         وماذا يعني هذا؟
-         يعني أنه يمكنني أخيرا أن أعود إلى عالمي.
هززته بعنف، وانا أصرخ فيه:
-         ماذا تقصد!؟
انطلق صوت انفجار قوي في المكان، وفي سقفه ظهرت تلك الفجوة ذات القاع الأسود التي أدخلتني إلى تلك اللعبة، فكرت أن هذا قد يعيدني إلى غرفتي، وعالمي، ولكن هذا لم يحدث، ولكن جسد خصمي بدأ يحلق مرتفعا نحو الفجوة، ناديت عليه:
-         كيف سأخرج من هنا !؟
ابتسم وهو يغيب في الفجوة، وهو يقول:
-         عندما تقابل من هو أبرع منك.
اختفى (سيد الغابة الملعونة) السابق في الفجوة التي تلاشت بدورها، نظرت حولي في حزن، ومرارة ... التقطت ذلك القناع ووضعته على وجهي، واعتليت العرش وجلست عليه وأنا أتمتم:
-         أبرع مني!! لا يوجد من هو أبرع مني في ألعاب (الفيديو) هذا يعني أنني سابقى هنا للأبد ... اللعنة!
.. (تمت) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق