السبت، 13 يناير 2018

قصة رعب بعنوان ... (المقتحمون – الجزء الثالث)

ملخص ما سبق ... سلسلة من الحوداث والجرائم الغامضة، تحمل بينها رابطا مشتركا، جثة ملقاة خارج قبرها، وحارس مقابر يعثر عليه مقتولا بمشرحة مستشفى قريبة، وجثة أخرى كانت بتلك المشرحة عثر عليها بسكن الأطباء دون معرفة من قام بنقلها، وطبيب يحاول التهجم على عامل بمحطة بنزين ويحاول قتله، ثم يموت أثناء القبض عليه، وأخيرا أحد الجنود الذين شاركوا في القبض على الطبيب، يعثر عليه مقتولا في منزله ... يستطيع الدكتور (كمال عثمان) الربط بين كل تلك الأحداث، ويتوقع أن هناك أحد الكائنات المقتحمة تتنقل بين تلك الأجساد، مستنفذة حيواتها ...
...
طرق الملازم (محمد الرميسي) مكتب النقيب (محسن)، فطالبه الأخير بالدخول، فدخل وجلس على الكرسي المقابل لمكتبه وهو يقول:
-          لدي بعض الأخبار يا سيدي.
-          هات ما عندك.
ناوله قرص مغناطيسي، وهو يقول:
-          بداية، هذه هي تسجيلات (كاميرات) المراقبة داخل قسم الشرطة، دعنا نشاهدها أولا ...
تناول النقيب (محسن) منه القرص ووضعه في جهاز عرض على مكتبه، وقام بتشغيله، فبدأت المشاهد تعرض من خلال جهاز عرض جداري على شاشة بيضاء مخصصة لذلك في ركن من المكتب ... كان المشهد ا يعرض جندي يجلس بالرواق وهو يحرس أحد الغرف، فأشار الملازم (محمد) بسبابته نحو الشاشة، وهو يقول موضحا:
-          هذا هو الجندي (صبيح).
كان الجندي (صبيح) يجلس متململا، وهو يثائب، فجأة اعتدل واقفا، واقترب من باب الغرفة متصنتا على ما يحدث داخلها، فأوضح الملازم (محمد):
-          هذه الغرفة غرفة (مكيفة)، وكانوا يضعون بها جثة الطبيب لحفظها  لحين نقلها إلى مصلحة الطب الشرعي.
سأله النقيب (محسن):
-          هل كان بها أحدا سواه.
-          لا.
فأومأ برأسه متفهما، وعاد لمتابعة المشهد، الذي يعرض (صبيح) وهو يعود لمقعده، ولتثاؤبه،وتململه، قبل أن يعتدل مجددا، ويندفع نحو الغرفة متصنتا من جديد ... قال النقيب (محسن):
-          من الواضح أنه يسمع أصواتا تأتيه من الداخل و ...
 توقف عن الاسترسال، وهو يتابع (صبيح) وهو يفتح باب الغرفة، ويدخلها بحذر ويغيب داخلها ... فوجه حديثه للملازم (محمد) قائلا:
-          هل يوجد (كاميرا) أخرى داخل الغرفة.
-          لسوء الحظ لا يوجد بتلك الغرفة أي (كاميرات) مراقبة، لقد غاب (صبيح) في الغرفة تسع دقائق كاملة.
ثم أشار بسبابته للشاشة مجددا، وهو يقول:
-          ثم خرج بعدها، ورحل.
كانت المشاهد تعرض الجندي (صبيح) وهو يخرج من الغرفة، ويسير في الممر بخطوات مترنحة، انتقلت المشاهد إلى (كاميرا) أخرى تعرض خروج (صبيح) من القسم، و(كاميرا) ثالثة خارجية تتابع ابتعاده عن المكان بخطوات طبيعية بلا ترنح، صمت النقيب (محسن) وهو يفكر للحظات، ثم قال بصوت خافت وكأنه يحدث نفسه:
-          شئ ما حدث في تلك الغرفة.
ثم توجه للملازم (محمد) بالسؤال:
-          وماذا عن التحريات التي طلبتها منك؟
-          يقولون أن آخر من كان معه قبل موته هي زوجته، وأنها خرجت من المنزل ولم تعد إليه من ساعتها.
ثم ناوله صورة ضوئية، لفتاة سمراء شابة في ملابس بلدية، وهو يقول:
-          هذه صورتها.
حدق النقيب (محسن) في الصورة للحظات، ثم وجه أوامره للملازم (محمد):
-          أريد توزيع تلك الصورة على كل مخبرينا، وعلى كل نقاط المراقبة، وعندما تعثرون عليها ...
توقف عن الكلام، فقال الملازم (محمد) مكملا:
-          نقبض عليها ...
-          لا ... فقط أخبروني بمكانها، وأنا سأفعل ذلك بنفسي.
***
دلف النقيب (محسن)، ومعه الملازم (محمد)، وبضعة من الجنود المسلحين إلى ردهة ذلك الفندق العتيق في ذلك الحي الشعبي، منذ أقل من نصف ساعة وصلت إخبارية من أحد المرشدين، بأن الهدف يقطن غرفة بذلك الفندق، والهدف هو تلك الشابة النحيلة، السمراء، التي تركت زوجها الجندي (صبيح) مقتولا في منزلهما وهربت ... يبدو هذا الأمر كقضية عادية عن زوجة قتلت زوجها، هكذا يظن الفريق الذي جاء للقبض عليها، عدا النقيب (محسن) الذي يعلم بأن الأمر يحوي أكثر من ذلك، هناك سر غامض تخفيه تلك المرأة، التي قد لا تكون هي نفسها من الأساس، بل شئ آخر يحرك جسدها، شئ آخر مرعب، وخطير، وقاتل ...
طلب النقيب (محسن) من الجنود الانتظار بالردهة، وأخذ مفتاح الغرفة من صاحب الفندق المذعور من ذلك الحضور الغير مرغوب فيه، يفكر في عقله بعشرات الأشياء المخالفة التي يخفيها في فندقه، والتي لو عثر عليها هؤلاء، لألقوا به وراء القضبان لأعوام طويلة، الشئ الوحيد الذي جعله متماسكا قليلا، هو أنهم قدموا وراء هدفا آخر غيره ... فتح النقيب (محسن) الباب، وتسلل بحذر إلى الداخل هو والملازم (محمد)، الغرفة صغيرة ومظلمة، ولكن الضوء المتسرب عبر خصاص النافذة المتهالك كافي ليجعله يتفحص الغرفة الصغيرة، ويتأكد أنه لا أحد بها، الخزانة خالية من أي حاجيات، الفراش مرتب ولا يبدي أن أحدا استعمله مؤخرا ... التفت النقيب (محسن) إلى صاحبه:
-          لا شئ هنا ... هل كان بلاغا كاذبا ...
في تلك اللحظة التفت النقيب (محسن) بعفوية نحو السقف، في البداية لم يدرك ما رآه، ولكن عندما أدرك أن تلك البقعة السوداء الملتصقة في السقف فوق رأسيها (كالبرص)، هي إمرأة شابة سمراء نحيلة في ملابسها البلدية، تراجع النقيب (محسن) للخلف وهو يخرج مسدسه، صائحا:
-          أيتها الشيطانة، عليك اللعنة!
كانت المرأة أسرع وهي تهبط بينهما بخفة القط، ثم تدفع الملازم (محمد) في صدره بقوة هائلة تطيح به نحو الجدار فيصطدم به ويسقط فاقدا للوعي دون أن يدرك أو يفهم ما حدث له ... التفتت المرأة إلى النقيب (محسن)، ونظرت إليه نظرات مرعبة شيطانية واندفعت نحوه بسرعة رهيبة، كان النقيب (محسن) أسرع في رد الفعل، فتلك لم تكن المواجهة الأولى له مع تلك الكيانات الخوارقية، فأطلق ثلاثة رصاصات مباشرة نحو صدر المرأة التي إرتدت إلى الخلف وسقطت على الأرض هامدة دون حراك، في نفس اللحظة التي اندفع الجنود المسلحون إلى داخل الغرفة، وقد جذبهم صوت العراك والرصاصات، واقتربوا جميعا من الجسد الهامد الممدد على الأرض ... فجأة، اعتدلت المرأة بقفزة هائلة ووجهت ضربة بقبضتها الصغيرة إلى أقرب الجنود فحطمت عنقه، واندفعت وسط الجنود وأطاحت بهم كدمى صغيرة، ككرة بلياردو تطيح بالقارورات فتسقطها حتى آخرها، كانت المسافة قريبة، وتزاحم الجنود يجعل إطلاق الرصاص عليها ضربا من المستحيلات، فكر في ذلك النقيب (محسن) وهو يتابع تلك المرأة الناحلة وهي تتلاعب بالجنود العمالقة، قبل أن تندفع وهي تعدو بسرعة هائلة، وغير بشرية، إلى خارج الغرفة، وإلى خارج الفندق، حاول النقيب (محسن) ملاحقتها، ولكنها وبتلك السرعة الرهيبة التي تعدو بها كانت قد اختفت بسهولة في زحام تلك المنطقة الشعبية ...
***
دق جرس باب (فيلا) الدكتور (كمال عثمان) فتوجه ليفتحه وهو يرتدي الروب المنزلي، ويمسك في يده كتاب كان يطالعه في مكتبه عندما دق الجرس، فتح الباب فوجد رجل أربعيني وسيم، قوي البنية، لا يعرفه، كان الرجل يرتدي حلة أنيقة، ويصفف شعره بعناية ... حدق الرجل فيه لثانية بدهشة، ثم سأل وهو يتنحنح:
-          الدكتور (كمال عثمان)!؟
انتبه الدكتور (كمال عثمان) في تلك اللحظة إلى أنه يرتدي الروب، وهو يكره أن يقابل الناس بملابس منزلية، ولكنه كعادته عندما يكون منشغلا في كتبه ومخطوطاته،لا ينتبه إلى الكثير من الأشياء من حوله ... أجابه الدكتور (كمال):
-          أجل ... كيف استطيع مساعدتك!؟
-          أنا (علام النمر) أعمل بالمركز القومي للآثار كخبير وباحث ... وكنت أريد استشارتك في أمر ما!
أفسح الدكتور (كمال) للرجل، ودعاه للدخول، وقاده للجلوس في غرفة (الصالون)، ثم سأله:
-          استشارة بخصوص أي شئ!؟
صمت الرجل لفترة، وبدا كأنه يرتب أفكاره، ثم قال:
-          دعني أحكي لك القصة من البداية.
-          تفضل.
زفر الرجل زفرة طويلة، وكأنه يلفظ حملا جاثما على صدره، ثم قال:
-          كما أخبرتك أنا باحث ميداني، منذ شهور أوكل المركز إلى مهمة مصاحبة عالم آثار ألماني يسعى للتنقيب في منطقة لم يعرف عنها أي كشف أثري من قبل، ولكن ذلك العالم كان واثق تمام الثقة من وجود مقبرة آثرية في تلك المنطقة ... طلبت منه كثيرا أن يطلعني على المخطوطات والأدلة التي تجعله بتلك الثقة، ولكنه رفض إطلاعي عليها، وهو شئ معتاد، ولآن عملي هو اصطحاب العالم والتأكد من عدم قيامة بأي تجاوزات للرخصة التي منحت لهم من المركز، لم اكترث بذلك كثيرا، وقررت أن أؤدي عملي بطريقة روتينية ...
 توقف الرجل عن الحديث، وحدق في وجه الدكتور (كمال عثمان) ليرى أثر كلامه عليه، ثم قال مستطردا:
-          شهور طويلة قضيناها في التنقيب، حتى يأست من العثور على شئ هناك أنا وعمال التنقيب، حتى اقتنعت اقتناعا تاما بأن هذا الإلماني هو أحمق آخر من الحمقى الذين يأتون إلى أرضنا بحثا عن الشهرة والنجاح، ويذهبون في النهاية دون تحقيق إيهما ... ولكن في ذلك الصباح صرخ أحد العمال بأنه وجد المدخل، مدخل المقبرة.
جذب الرجل حقيبته الضخمة، التي لم ينتبه الدكتور (كمال) لوجودها معه إلا الآن، فتحها وأخرج من جراب بداخلها صورة ضوئية، وناولها للدكتور (كمال)، الذي نظر فيها فوجدها تصور جدار من الصخر منقوش في وسطه علامة تشبه حرف (M) ولكن طرفيها يلتفان حول نفسيهما كالثعبان، شعر الدكتور (كمال) أنه رأى هذا الرمز في مكان ما من قبل، وأخذ يجتهد محاولا التذكر، فقاطعه الرجل قائلا:
-          هل تعرف هذا الرمز؟
-          هل هو رمز فرعوني!؟
-          كلا ... المرة الأولى التي أرى فيها هذا الرمز في حياتي كانت على جدار تلك المقبرة ...
تنهد الرجل، ثم عاد يواصل حديثه:
-          جدار المقبرة كان غير نمطيا، لا توجد عليه العلامات المعتادة التي نجدها على المقابر المشابهة، لا ذكر لاسم المدفون، ولا مآثرة، لا تعويذات حارسة، لا شئ، فقط ذلك الرمز.
سأله الدكتور (كمال) بفضول:
-          وماذا وجدتم داخل المقبرة!؟
-          لا شئ أيضا ... صنع العمال ثغرة في جدار المقبرة، وتركناها مفتوحة لساعة كما هي الإجراءات المتبعة،  لتنفث ما فيها من الهواء العطن، الملوث، ثم دخلناها أنا والعالم الألماني، سبقني هو ولحقت به، فوجدناها خالية إلا من صندوق صغير في منتصفها ...
مرة أخرى أخرج الرجل صورة ضوئية للصندوق الخشبي الصغير الذي يحوي نفس الرمز منقوشا على غطائه، وناولها للدكتور (كمال) وهو يقول:
-          طبقا للإجراءات، لا يتم فتح الصندوق مباشرة، بل يترك في مكانه لحين تحديد محتويات المقبرة، وإخراجها بإشراف لجنة من المركز، حينها يمكن فتح الصندوق في الظروف العلمية المناسبة.
قاطعه الدكتور (كمال) مقاطعا:
-          ولكن الألماني لم يصبر وفتح الصندوق مباشرة.
أومأ الرجل برأسه وهو يقول:
-          أجل هذا ما حدث ... وبمجرد أن فتح الصندوق اندفع منه دفقا من الغبار في وجهه، فأخذ يسعل ويشهق في جنون، ثم سقط على الأرض ميتا.
رفع الدكتور (كمال) حاجبيه مندهشا، فأردف الرجل:
-          أنا لست خبيرا طبيا، ولكن القلب لا يدق، ولا يوجد نبض، ولا تنفس تعني جميعها أن الشخص ميتا ...
أطرق الرجل إلى الأرض لثوان، ثم قال:
-          هذا ما حسبته بعد أن فحصت الرجل، وعندما هممت بالخروج لجلب مساعدة، انتصب الرجل معتدلا وأخذ يترنح في المكان، وهو يتكلم بلغة غير مفهومة ... أنا خبير في اللغة الألمانية، وأجيد سبعة لغات أخرى، ولكنني لم أفهم كلمة مما يقول، إلا كلمة واحدة، كانت اسم شخص أخذ يردده مرات ومرات وسط ذلك الكلام الغير مفهوم ... ثم اندفع إلى خارج المقبرة، وركب السيارة وغادر مكان التنقيب، ولم أره بعدها إلا منذ شهر واحد عندما عثروا على جثته في مكان قريب من هنا، في تلك المرة مات بحق، ولم يعد للحياة مجددا، لم يعرف أحدا أين اختفى، ولا ما فعله أثناء تلك الفترة، لقد ذهب وأخذ السر معه!
فكر الدكتور (كمال عثمان) فيما سمعه لفترة ثم سأله:
-          وما هو هذا الاسم الذي كان يردده!؟
ابتسم الرجل وهو يقول:
-          كنت انتظر منك هذا السؤال ... الاسم الذي كان يردده مرارا وتكرار هو اسمك أنت يا دكتور ... أجل ... (كمال عثمان) ... (كمال عثمان) !!!
***
إندفع الملازم (محمد) إلى مكتب النقيب (محسن)، وهو يصيح بحماس:
-          لقد شوهدت المرأة مجددا في مكان قريب من هنا.
حدق النقيب (محسن) في وجهه وتلك الكدمات التي تغطيه من المواجهة الأخيرة، وتعجب من حماسه، وكاد يعلق على ذلك،  لولا أن أردف الملازم (محمد):
-          رآها أحد مخبرينا في محطة (المترو)، وتبعها حتى شاهدها وهي تدخل إحدى (الفلل) في الحي الراقي القريب من هنا.
ثم ناول النقيب (محسن) ورقة، وهو يقول بنفس الحماس:
-          وهذا هو العنوان ... هل أجهز فريق المداهمة؟
التقط النقيب (محسن) الورقة ونظر في العنوان نظرة عابرة، قبل أن ينتصب شعر رأسه، وهو يقفز من مقعده، ويصرخ برعب:
-          هذا العنوان ... هذا العنوان!!
***
أغلق الدكتور (كمال عثمان) الباب وراء زائره الذي رحل وترك وراءه لغزا كبيرا ... مقبرة فرعونية، ورمز غريب، وصندوق خشبي أثري، وعالم مخبول ينطق باسمه، ثم يختفي قبل أن تظهر جثته بعد فترة ... إنه ليس لغزا واحدا، بل مجموعة كبيرة من الألغاز، تتصل ببعضها كقطع الأحجية التي يجب أن تحل وتتصل كلها معا، لتوضح الحقيقة المخفية بينها ...
دق جرس الباب مجددا، زفر الدكتور (كمال عثمان) بغضب، وهو يقول:
-          اللعنة ... زائران في يوم واحد هذا كثير.
فتح الدكتور (كمال عثمان) الباب، ليجد خلفه إمرأة شابة، سمراء، ناحلة، ترتدي الملابس البلدية، تنظر له نظرات مرعبة، بعينين زجاجيتين ...

.. (نهاية الجزء الثالث – يليه الجزء الرابع والأخير) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق