السبت، 20 يناير 2018

قصة رعب بعنوان ... (المقتحمون – الجزء الرابع والأخير)

ملخص ما سبق ... يفسر الدكتور (كمال عثمان) ظاهرة الموتى السائرين على أقدامهم، بوجود كائن مقتحم داخل تلك الأجساد، يحركها كعرائس (الماريونيت)... ومطاردة رهيبة يقوم بها النقيب (محسن)، يلاحق فيها ذلك الكائن داخل جسد إمرأة ريفية، شابة، قبل أن تنجح تلك المرأة في الهروب منه، بعدما أتي ذلك الكائن بأفعال جسدية، وقوة خارقة، لا يبديها ذلك الجسد الضعيف، النحيل ... ومفاجأة مرعبة، عندما يتضح أن ذلك الكائن في أثر الدكتور (كمال عثمان)، بل ويطرق باب (فيلته) في تلك اللحظة!
...
فتح الدكتور (كمال عثمان) الباب لتطالعه تلك المرأة الشابة، السمراء، الناحلة ... وفي لحظة واحدة تبدلت ابتسامة الترحيب على وجهه، بنظرة ذعر، دفعت تلك المرأة لتتحدث بصوت خشن، يحمل نبرة مقت وكراهية:
-          إذا فقد عرفتني.
الحقيقة، أنه بمجرد أن فتح الدكتور (كمال عثمان) الباب، فإنه استشعر تلك الطاقة السوداء التي تحملها زائرته، و هاجمت عقله تلك الرؤى والذكريات، فتذكر معها آخر مرة استشعر فيها تلك الطاقة اللعينة، كان ذلك الأمر منذ سنوات طويلة، عندما اكتشف مصادفة وجود ذلك الكائن الشيطاني الذي يدعى (عطوت) داخل جسد طبيب للجهاز الهضمي زاره الدكتور (كمال عثمان) عندما شعر ببعض آلام المعدة، كان ذلك الشيطان قد اقتحم جسدالطبيب ليتخذ منه عائلا دائما له ... والعائل الدائم، هو العائل الذي يسمح باقتحام جسده طواعية، حينها يصير أسير ذلك الجسد الذي يصبح تحت أمرة الشيطان المقتحم تماما، يحركه كما يشاء، يتابع فيها كل ما يفعله الشيطان المقتحم كمتفرج عاجز من داخل سجن جسده، ولا يظهر على السطح إلا لحظات قليلة، ترتبط بأطوار قوة ذلك الشيطان المقتحم، حين تضعف قبضته قليلا بما يسمح للأسير بأن يطلق صرخات استغاثة، قد لا يسمعها أحد ... أما العائل المؤقت فهو الجسد الميت حديثا الذي يقتحمه الشيطان المقتحم لفترة قصيرة قبل أن ينهار الجسد ويتحلل، عندها يكون عليه أن يبحث عن عائل مؤقت آخر في جسد ميت بصورة طبيعية أو قتيل يقتله بنفسه حتى ينتقل إليه بسرعة، وذلك لآن الكائن المقتحم لا يستطيع أن يعيش لفترة طويلة خارج جسد العائل.
عندما زار الدكتور (كمال عثمان) ذلك الطبيب، استشعر نفس تلك الطاقة السوداء حينها، والتقط استغاثة صاحب الجسد الأسير داخله، حينها خاض صراعا رهيبا مع ذلك الشيطان (عطوت)، إنتهى بإرسال الأخير إلى بعده الكوني، وعالمه، وتحرير الطبيب الأسير داخل جسده ... وما عرفه الدكتور (كمال عثمان) حينها، أن ذلك الشيطان لبث مقتحما ذلك الجسد سنوات طويلة، وإنه عاش حياة كاملة داخل ذلك الجسد ... وما يعرفه الآن هو أن ذلك الشيطان نجح مجددا في العودة إلى الأرض، وإنه لم ينس يوما ما فعله به الدكتور (كمال عثمان) في الماضي، وإنه جاء في تلك اللحظة إلى داره لينتقم منه انتقاما رهيبا ...
***
عندما علم النقيب (محسن) بالعنوان الذي توجه إليه ذلك الكائن الشيطاني، قفز من مكتبه وانطلق بسرعة في سيارته دون الانتظار لتجهيز فريق الدعم، فشعوره بالخطر على خاله أنساه كل الإجراءات الرسمية التي تتبع في مثل تلك الحالات، وعندما وصل إلى (فيلا) الدكتور (كمال) راعه ما رأى، فقد كان باب (الفيلا) مقتلعا، ومحطما من منتصفه كأن هناك (بلدوزر) قد عبر خلاله ... وفي الداخل أيضا كان باب غرفة المكتب مغتصبا من مفاصله، وملقا في الردهة ... صرخ النقيب (محسن) وهو يتوجه إلى غرفة المكتب:
-          خالي ... هل أنت هنا!؟
لم يناديه بلقبه واسمه كما اعتاد أن يفعل، فالقلق الذي يشعر به في تلك اللحظة على خاله، وفكرة فقدان الشخص الوحيد الذي يهتم به في حياته، ويعتبره في مقام أبوه وأمه اللذان فقدهما من قبل وهو صغير، جعلاه يتصرف بعفوية وانفعال ... اندفع النقيب (محسن) إلى داخل غرفة المكتب فصعق عندما وجدها على تلك الحالة، وكأن أعصار قد مر بها، الأثاث محطم، ومحتويات الغرفة مقلوبة رأسا على عقب، والكتب والوثائق متناثرة في كل مكان، صرخ مجددا مناديا بأعلى صوته:
-          دكتور (كمال)!
ثم انطلق يبحث عنه في كل مكان في (الفيلا) عندما لم يجد له أثرا في غرفة المكتب، بعد دقائق وصل الملازم (محمد) وفريق الدعم،وانتشر الجميع في المكان وخارجه، بحثا عن الدكتور (كمال عثمان) أو ذلك الكائن الشيطاني، ولكنهم بعد نصف ساعة أعلنوا يأسهم التام من العثور على إيهما، اقترب الملازم (محمد) من النقيب (محسن) وربت على كتفيه مطمئنا، بعد أن لاحظ الذعر المرتسم على وجه الأخير وعينيه الزائغتين، وهو يقول:
-          لا تقلق سنعثر عليه ...
تمتم النقيب (محسن) بكلمات غير مفهومة، فأردف الملازم (محمد):
-          هل حاولت الاتصال به على هاتفه المحمول؟
فأخرج النقيب (محسن) من جيبه هاتف محمول، وأشاح به وهو يقول بصوت مبحوح:
-          لقد عثرت على هاتفه، ملقا في غرفةالمكتب!
بعد قليل وصل أحد الجنود إلى المكان، وأدى التحية العسكرية وهو يقول:
-          لقد عثرنا على جثة في مكان قريب من هنا يا (باشا)!
انتصب شعر النقيب (محسن)، وسقط قلبه بين قدميه ...
***
مرت ثلاثة شهور على تلك الواقعة، حيث عثروا ليلتها على جثة المرأة الريفية الشابة، زوجة الجندي (صبيح)، ملقاة في حديقة (فيلا) قريبة، بعد أن غادرها الكائن الشيطاني ... في البداية خاف النقيب (محسن) أن يكون ذلك الكائن الشيطاني قد انتقل إلى جسد الدكتور (كمال عثمان) بعدما قتله، إلا أن التحريات أكدت أن بواب تلك (الفيلا) اختفى من المكان على غير عادته ... كان الأمر واضحا للغاية، ولم يحتج النقيب (محسن) إلى دليل ليؤكده، لقد انتقل ذلك الكائن الشيطاني إلى جسد البواب، وهكذا عليه أن يشرع في مطاردة جديدة لملاحقة هذا البواب، حتى عثر على جثته هو أيضا، داخل مركز للخدمات الليلة الذي اختفى العامل فيه أيضا ... مطاردة جديدة، بعدها مطاردة أخرى في كل مرة يظن النقيب (محسن) أنه قد أطبق على ذلك الكائن الشيطاني، الذي يختفي في اللحظة الأخيرة مخلفا وراءه جثة شخص برئ، بعدما يقتحم جسد شخص جديد ...
لم يكن هدف النقيب (محسن) من كل تلك المطاردات هو القبض على ذلك الكائن الشيطاني، كان محركه الوحيد هو معرفه مصير خاله الدكتور (كمال عثمان)، الذي اختفى كل أثر له بعد حادثة (الفيلا)، كأنه فص ملح وذاب ... ساءت حالة النقيب (محسن) النفسية كثيرا، رغم ما عرف عن ثباته الانفعالي، وقوته النفسية، ولكن فقدان خاله كان أكثر من قدرته على التحمل، صار جسده هزيلا وملامحه شاحبة، حتى أن رؤساءه شعروا بالقلق حياله، وأبعدوه عن تلك القضية، وعندما رفض طلبوا منه أن يحصل على إجازة مفتوحة حتى يتعافى ... ورغم أن النقيب (محسن) قام بالإجازة طاعة لرؤساءه في العمل، إلا أنه ظل يطارد ذلك الكائن الشيطاني، ويستطلع أخباره من الملازم (محمد)، وزملاءه في العمل، وأيضا لم يكتب له النجاح في تلك المساعي...
***
في تلك الليلة شعر بالأرق، ووجد قدماه تقودانه إلى (فيلا) خاله التي لم يطأها منذ انتهى التحقيق في قضية اختفاءه ... دخل (الفيلا) من بابها الجديد الذي قام بتركيبه مكان ذلك الذي اقتلعه الكائن الشيطاني ... (الفيلا) على حالها، وكذلك غرفة المكتب، يشعر بريح خاله، وحضوره في أرجاء المكان، رغم تلك الفوضى التي ضربت بكل شئ فيه ... التقط النقيب محسن كتابا من على الأرض ثم وضعه على رف المكتبه، وهو يكلم نفسه:
-          لا أعرف هل هذا هو موقعك الصحيح، لقد كان الدكتور (كمال) منظما ومنضبطا كالساعة، ولكن هذا أفضل من تركك ملقا على الأرض.
لثلاثة ساعات متتالية حتى قرب موعد آذان الفجر، أخذ النقيب (محسن) يرتب غرفة المكتب، في محاولة محمومة لإعادة كل شئ إلى ما كان عليه، وكانه لو فعل، فقد يعيد ذلك خاله الضائع إلى المكان ... في تلك اللحظة انتبه النقيب (محسن) إلى تلك الورقة المطبقة والمخفاة بحرص أسفل إحدى قوائم المكتب الأسود الضخم المصنوع من خشب الأبنوس، والذي لم يتزحزح من موقعه مع كل ذلك الدمار الذي أصاب باقي قطع الأثاث ... التقط النقيب (محسن) الورقة وفضها فسقط منها شئ أبيض صغير على الأرض فالتقطه فوجده جعرانا فرعونيا أبيض اللون، إنه يعرف ذلك الشئ جيدا، إنه تلك التقية الفرعونية التي استخدمها الدكتور (كمال عثمان) للحماية أثناء معركتهما السابقة مع (صائدوا الموتى)، وضعها النقيب (محسن) بسرعة في جيبه بعدما لاحظ أن هناك كتابة في الورقة، كتابة عرف فيها بسرعة خط الدكتور (كمال عثمان) وإن كان نسق الخط المرتعش، المهتز، ينبئ بأنه كتبها على عجل ... كان الورقة مكتوبا بها:

*** محسن ...
الصندوق / (علام النمر) / إفناء العائل/ @ ***

قرأ النقيب(محسن) الورقة عدة مرات بلهفة، إنها رسالة من خاله، تركها له ومعها تلك التقية الفرعونية، من الواضح أنه فعل ذلك على عجل، ومن معرفته لشخصية خاله الدكتور (كمال) ودقته، فإن المعلومات البسيطة التي تحويها تلك الورقة قديكون بها حل اللغز كاملا ... أخذ النقيب (محسن) يحلل ما جاءت به الورقة، فكان الدليل الأول هو ذلك الاسم (علام النمر) عليه أن يجده وبعدها عليه أن يبحث عن صندوق ما، ويفعل به شيئا ما ... الشئ الأكثر غموضا هو ذلك الرمز الذي جاء في آخر الرسالة، الذي يشبه العلامة (@) وإن كان يختلف عنها قليلا، المهم أنه لديه الآن طرف خيط، وأن الأمل والحماس عادا ينبضان داخله ...
بعد أسبوع، والكثير من التحريات، والنتائج، ولقاء مع (علام النمر) آخر من قابل الدكتور (كمال عثمان) قبل اختفاءه ومعرفة ما دار بينهما، وقصة المقبرة والصندوق، الحقائق تتراكب كقطع (الباذل) فوق رقعة الأحجية، الآن يفهم النقيب (محسن) كيف بدأ ذلك الأمر، وبحاسته الأمنية، وبالكثير من الخبرة، يمكنه أن يفهم المزيد عما يحدث الآن، ويضع خطة لما هو قادم لاحقا ... اهتز المحمول في جيب النقيب (محسن) فأخرجه، ليجد مكالمة من زميله الملازم (محمد) الذي بادره قائلا:
-          المشتبه به في أحد الفنادق بالمنطقة الشعبية.
-          هل أنت متأكد؟
-          أجل ... شخص مقتول وآخر يختفي في ظروف غامضة من محيط الجريمة، ثم يظهر بعد ذلك في أحد الفنادق الشعبية، إنها نفس الملابسات المعتادة.
شعر النقيب (محسن) بالإثارة، فقال له بسرعة:
-          أعطني العنوان بسرعة، وقابلني هناك وحدك.
تردد الملازم (محمد) للحظة، ويبدو أن تجربته السيئة السابقة مع ذلك الكائن تعبث بذهنه، فشجعه النقيب (محسن):
-          لا تقلق ... لن يهرب منا تلك المرة.
وصل النقيب (محسن) إلى المكان بعد نصف ساعة، وهو يلعن الزحام الذي تسبب في تأخره، فوجد الملازم (محمد) ينتظره أمام باب الفندق شاحبا، فسأله:
-          ما بك!؟
-          تأخرنا هذه المرة أيضا ... لقد عثرت على الهدف مقتولا في غرفته، وقد أرسلت في استدعاء الفريق الجنائي.
-          اللعنة.
ضرب النقيب (محسن) قبضته في الجدار بغضب، فطالبه زميله بالهدوء، وأخبره أن سيواصل التحقيق، ويتصل به عندما يكون هناك جديد ... فجأة شعر النقيب محسن بأن هناك شيئا في جيبه يلفح جسده بحرارته، فمد يده بسرعة وأخرج الجعران، الذي كان ساخنا للغاية، وقد تغير لونه إلى اللون الرمادي الفاتح بدلا من الأبيض الناصع، فسأله الملازم (محمد):
-          ما هذا!؟
-          لا شئ.
قالها وهو يدسه في جيبه ويبتعد ...
***
 لم يمض أسبوع على تلك الأحداث حين توجه النقيب (محسن) إلى مكتب الملازم (محمد)، الذي نهض مرحبا به وحياه التحية العسكرية الواجبة، قبل أن يسأله:
-          كيف الحال يا (محسن) باشا؟ ... أي ريح طيبة ألقت بك إلى هنا؟
ابتسم النقيب (محسن) وهو يقول:
-          أنا هنا لسببين، أولهما استطلاع آخر الأخبار منك، والثاني قطع إجازتي ... لقد تواصلت مع الرؤساء ووافقوا على عودتي للعمل.
-          رائع يا (محسن) باشا، حمدا لله على سلامتك ...
مرة أخرى يستشعر سخونة الجعران في جيبه، فأخرجه ليكتشف أن لونه قد صار داكنا عن المرة السابقة ... فوضعه في جيبه بسرعة، وهو يتابع نظرات الدهشة على وجه الملازم (محمد)، ولكن قبل أن ينطق الأخير بأي سؤال، رن جرس المحمول الخاص به، فأجاب عليه، واستمع للمتصل لعدة ثوان، قبل أن يغلق الهاتف وهو يصيح في فرحة شديدة:
-          لقد عاد ... لقد عاد.
فسأله الملازم (محمد) مستفسرا:
-          من هو!؟
-          الدكتور (كمال عثمان)، إنه الآن في (فيلته)!
قالها ثم أسرع إلى الخارج، وهو يحمل على وجهه ملامح اللهفة والسعادة...
***
في نفس تلك الليلة، وقبل منتصف الليل بدقائق، تسلل ذلك الشبح تحت ستر الظلام ومحاق القمر، إلى داخل فيلا الدكتور (كمال عثمان) عبر إحدى النوافذ الجانبية، كان المكان مظلما، ولكن بدا أن هذا الشبح يرى في الظلام وهو يسير بثقة في الردهة، ثم يعتلي الدرج نحو الطابق الأول، ويتوجه مباشرة إلى غرفة نوم الدكتور (كمال عثمان)،ويفتح بابها بهدوء، ويدلف إلى داخلها، ويقف في ركن مظلم منها، يراقب الدكتور (كمال) وهو نائم في فراشه، متدثرا بغطاءه ... للحظات ظل الشبح متجمدا في ذلك الركن، ثم بدأ يتحرك ناحية الدكتور (كمال) حتى صار بجوار فراشه تماما، ثم مد يده وهو يرفع الغطاء عنه وهو يقول بلهجة تحمل الكثير من المقت والكراهية:
-          أخيرا عدت أيها الملعون ... لا أعرف كيف هربت مني في المرة السابقة!؟.. ولكن في هذه المرة، لا مجال لك للهرب.
انبعث صوت تكة معدنيةخفيف، في نفس اللحظة التي اضئ فيها النور، ليجد ذلك الشبح نفسه مقيدا بقيد معدني يتصل بسلسلة غليظة في أصل الجدار ... في نفس اللحظة التي نهض فيها الشخص النائم في الفراش، فصرخ الشبخ بدهشة:
-          النقيب (محسن) ماذا تفعل هنا!؟... أين الدكتور (كمال)!؟
أجاب النقيب (محسن) الذي كان نائما في فراش خاله:
-          الطبيعي، أن أسألك أنا أيها الملازم (محمد) ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ... ولكنني أعرف السبب لهذا نصبت لك هذا الفخ أيها اللعين.
تصنع الملازم (محمد) الدهشة، وهو يقول:
-          ماذا تقصد!؟ ... لقد جأت إلى هنا لأطمأن على الدكتور (كمال) بدوري ...
صرخ به النقيب (محسن):
-          لا داعي للكذب أيها الكائن المقيت، الدكتور (كمال عثمان) لم يعد إلى داره، لقد كانت خدعه، وقد كشفتك التقية التي تركها لي الدكتور (كمال) ...
قالها وأخرج الجعران من جيبه الذي تحول لونه إلى الأسود الحالك ... أطلق الملازم (محمد)، أو ذلك الشيطان الذي يحرك جسده ضحكة طويلة، ثم قال بغلظة، وهو يحرك القيد المعدني الذي يكبل يمينه:
-          هل تظن أيها الأحمق أن هذا القيد قادر على احتجازي إلى الأبد!؟
اتسعت ابتسامة النقيب (محسن) وهو يلتقط إناء ممتلئ بسائل شفاف من جوار الفراش، قبل أن يلقي محتواه على جسد الملازم، وهو يشعل قداحته ويلقيها عليه قائلا:
-          ومن قال أنني سانتظر إلى الأبد؟ ... لقد أخبرني الدكتور (كمال) أنه علي إفناء العائل، وها أنا أفعل ذلك.
شبت النيران في لحظة واحدة، واشتعلت في جسد الملازم (محمد)، لقد كان ذلك السائل الذي ألقاه عليه النقيب (محسن) هو (كيروسين) نقي ... انطلقت الصرخات من الملازم (محمد) مع تلك النيران التي أخذت تلتهم جسده، وبقوة رهيبة تفوق قوة البشر بعشر مرات انتزع ذلك القيد الحديدي، ثم توجه ناحية الباب، الذي كان مغلقا، فلاحقه صوت النقيب (محسن):
-          الباب مغلق ... جزء آخر من الفخ.
اندفع الملازم محمد الذي تحول إلى كتلة من النيران ناحية الباب، ولكنه عجز عن اقتحامه، فقد كان مدعوما من الخارج بأطر حديدية صلبة، حاول مجددا، ولكن النيران كانت قد التهمت معظم مادة جسده فسقط على الأرض ... فجاءه صوت النقيب (محسن):
-          الآن ستغادر جسد الملازم (محمد) المسكين بحثا عن صيد آخر ... لا لن يحدث أبدا... هذه هي محطتك الأخيرة ...
قالها والتقط ذلك الصندوق الذي أعطاه له الباحث (علام النمر)، ثم فتح غطاءه، وهو يقول:
-          لقد فهمت من رسالة الدكتور (كمال عثمان) أن هذا الصندوق هو وسيلة القضاء عليك، وأنا أثق في خالي تماما ...
فجأة ارتج الصندوق في يد النقيب (محسن) وانبعثت منه أصوات رهيبة، وأضواء شبحية، فأغلق غطاءه بسرعة، فساد الصمت المكان ... وضع النقيب (محسن) الصندوق على الأرض بعدما أحكم إغلاقه، وتوجه إلى جسد الملازم (محمد) الذي احترق حتى آخره، وهو يقول بأسى:
-          مسكين يا صديقي ... لقد كنت أعلم من اللحظة الأولى التي اقتحم فيها هذا اللعين جسدك أنك ميت ... سامحني، لم يكن هناك حل آخر، أنا أنتقم لك ولكل الذين قتلهم هذا اللعين، وأعلم أنه لا يضير الشاة شيها بعد ذبحها، فسامحني ياصديقي ...
تلفت حوله، وعاد والتقط الصندوق، وهو يقول يجب إخفاء هذا الشئ اللعين في مكان بعيد تماما عن البشر، وهناك الكثير من الفوضى هنا يجب إزالتها ... علها تكون النهاية!
***
بعد ثلاثة سنوات على تلك الليلة، كان النقيب (محسن) يجلس في مكتب (الفيلا) التي أصبحت الآن (فيلته) قانونيا، بعد أن مضى على اختفاء الدكتور (كمال عثمان) فترة طويلة اعتبره فيها القانون ميتا، وبالتالي فإن كل أمواله وثروته آلت في النهاية إلى قريبه الوحيد النقيب (محسن) ... ثروة ضخمة، وأطيان، وممتلكات وعقارات، وتلك (الفيلا) الممتلئة بالتحف، ولكن كل ذلك لم يسعد النقيب (محسن) بعد أن فقد خاله وعضده، ولكن الأيام قادرة على أن تطفئ النيران وتطبب الآلام، فها هو يواصل حياته، وعمله بصورة طبيعية، بعد أن أنتقل ليقيم في (الفيلا) من عام واحد ... للحظة وقعت عيناه على المكتبة العملاقة، بطول الجدار وعرضه، وآلاف الكتب والمخطوطات المتراصة فوق رفوفها، والتي حرص على أن يتركها كما هي، حيث يذكره النظر إليها بخاله ويشعره ذلك بالراحة النفسية ... مرت عيناه بسرعة على صفوف الكتب، ثم توقفت مرة واحدة، وارتدت إلى أحد الكتب بعينه، فانتفض من مقعده وتوجه مباشرة إلى ذلك الكتاب، الذي كان يحوي ظهره على علامة تشبه (@)، وهو يعلم تلك العلامة جيدا، إنها اللغز الأخير من الألغاز التي تركها له خاله الدكتور (كمال عثمان) في رسالته ...
حاول النقيب (محسن) جذب الكتاب، ولكنه لم يخرج، ومال إلى الخلف كأنه مثبت على (ياي) في نفس اللحظة التي علا فيه صوت شئ ثقيل يجر، ثم اهتزت المكتبة، وبدأت تتزحزح إلى اليمين ليظهر من تحتها فجوة في الجدار بطول متر وبعرض النصف متر، تؤدي إلى ظلام لا يحوي بصيصا من الضوء ... اقترب النقيب (محسن) من تلك الفجوة بحذر، وحاول النظر إلى داخلها، فلم يستطع رؤية أي شئ بسبب الظلام الحالك الذي تؤدي إليه، المفروض أن هذا الجدار يؤدي إلى حديقة (الفيلا)، ولكن ذلك الظلام الحالك الذي يطالعه من داخلها يجعله يفكر أن تلك الفجوة تخفي وراءها شيئا خوارقيا، وهي ليست مجرد فجوة طبيعية في الجدار، فكر النقيب (محسن) في أن يعبر إلى داخل تلك الفجوة، ويكتشف ذلك الظلام وارءها، ولكن قبل أن يخطو خطوة واحدة  إلى الداخل، اندفع ذلك الشخص خارجا منها، واصطدم به بقوة، فسقطا معا على الأرض، وتدحرجا ... اعتدل النقيب (محسن) بسرعة، وهو يتوجه إلى ذلك الشخص الذي اقتحم المكان، قبل أن يصرخ في فرح وغبطة:
-          خالي ... أهذا أنت!؟
-          (محسن) ... إبن أختي، كيف حالك أيها الصغير!؟
اندفع النقيب (محسن) ليحتضن الدكتور (كمال عثمان) وقد بدأت عيناه تزرفان الدموع، فاحتضنه الدكتور (كمال) الذي كان لا يزال في ذلك (الروب) المنزلي الذي كان يرتديه عندما اختفى منذ ثلاث سنوات، وهو يقول:
-          ماذا بك!؟ لماذا تبدو متأثرا!؟
قالها وهو يتوجه ناحية الكتاب ليجذبه مجددا، فتتحرك المكتبة إلى وضعها الأصلي وتخفي الفجوة وراءها، وهو يردف:
-          لا يجب أن يبقى هذا الباب مفتوحا، لا يعرف أحد ما الذي قد يخرج منه!؟
 كانت الدموع ما زالت تنساب على وجنتي النقيب (محسن)، فسأله الدكتور (كمال عثمان)، وهو يشير إلى المكتبه:
-          كم بقيت في الداخل!؟
-          ثلاث سنوات كاملة!
مط الدكتور (كمال عثمان) شفتيه وهو يقول:
-          عشتها كعشرة ساعات فقط ...
قالها ثم سأل:
-          وهل زال الخطر!؟
-          أجل ...
-          رائع ...
كان وجه النقيب (محسن) يحمل ألف سؤال، فبادره الدكتور (كمال):
-          أعرف أنك تريد أن تسأل عن المكان الذي قضيت فيه كل هذا الوقت!
أومأ النقيب (محسن) برأسه، فقال الدكتور (كمال) مسترسلا:
-          عندما حاصرني ذلك الشيطان اللعين (عطوت)، وعلمت أنه لا مكان للهرب، اضطررت للجوء إلى مخبئي السري، وهو مكان خاص اكتشفته بين العوالم في أبحاثي ومخطوطاتي، مشكلته الوحيدة أن قواعده الفيزيقية تختلف عن هذا العالم، وقضاء ساعة واحدة هناك تعادل شهور في هذا العالم، ولكن قبل أن أذهب تركت لك رسالة، وكنت أثق في قدرتك على إنقاذي والتخلص من هذا الشيطان، وإرساله عبر نفس البوابة التي عبر منها إلى عالمنا من عالمه اللعين.
ساد الصمت للحظات، فقطعه الدكتور (كمال) وهويقول:
-          هيا أخبرني ما الذي تغير في العالم منذ غيابي!؟
ابتسم النقيب (محسن)، وهو يجيب:
-          الكثير، لقد صارت هذه (الفيلا) ملكي الآن، وأنا أقيم بها ...
في تلك اللحظة انبعثت ضحكة طفولية قادمة من ناحية الباب، قيل أن يدخل منه طفل صغير في عمر العام، وخطا عدة خطوات غير متزنة، ثم أقعى على الأرض وأخذ يحبو متوجها ناحية النقيب (محسن)، وهو يواصل ضحكاته الطفولية، فأردف الأخير:
-          كما أنني تزوجت وأنجبت طفل صغير ...
صمت لحظة، قبل أن يردف:
-          واسميته  (كمال) ....
ثم توجه إلى الطفل، ورفعه من على الأرض، وهو يخاطبه:
-          هيا يا (كمال) تعال سلم على جدك.

.. (تمت) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق