الاثنين، 29 أغسطس 2016

رعب في فترة الخطوبة

قصة قصيرة بعنوان (رعب في فترة الخطوبة...( 
نسبية الزمن نظرية علمية طرحها العبقري (إلبرت إينشتاين) في بدايات القرن السابق، وشخصيا وجدت عليها الدليل مؤخرا بعد أن وضعت في بنصري الأيمن ذلك الخاتم الذي يسمونه خاتم الخطوبة ... والدليل على نسبية الزمن هي تلك الأحاديث الهاتفية اليومية التي نقضي فيها الساعات كل مساء أنا وتلك الفتاة الرقيقة كنسمة الصيف التي أدعوها خطيبتي، فلا نشعر بها إلا كثوان قليلة لا تسمن ولا تغني.
وأحاديث المخطوبين ليست كلها في العشق والهوى، ولكنها تتنقل سريعا بين فقرات الأخبار اليومية والموضوعات العامة إلى اهتماماتي الشخصية كالرياضة ومباراة القمة المنتظرة بين (الأهلي والزمالك)، وما سيفعله (الأندر تيكر) غدا في مواجهته مع (الوحش)، وزميلي اللعين في العمل الذي يتملق المدير على حسابي، ثم نتبع ذلك باهتمامتها الشخصية في الموضة وأنواع (المكياج) وهل يجب وضع قاعدة على الوجه قبل وضع المساحيق، وزميلاتها اللاتي يغرن منها ويحسدنها على رشاقتها ... بالطبع يتخلل ذلك الكثير، بل الكثير جدا من كلمات الحب وهمسات العشاق ويستمر ذلك حتى ساعات الصباح الأولى أو حتى يفاجئنا والدها مغضبا، متوعدا فيغلق الهاتف في وجهي بعد أن يسمعني محاضرة طويلة عن الأصول والعيب، أو يقطع سلك الهاتف ويصادر (العدة) ويحتفظ بها في الصوان المغلق، وهي أشياء لا تعوقنا أبدا عن العودة للحديث في اليوم التالي.
في تلك الليلة كنت مرهقا بشدة بسبب ظروف العمل وبدأ النوم يداعب جفوني، وأخذت فترات صمتي واستماعي تزداد، واكتسبت ردودي تلك الصفة الميكانيكية (آه ... هممم ... أممم ... آه ثانية) .. وأدركت تلك الشقية التي تجمع بين جمال الملائكة وذكاء الشاطين ذلك، فقالت لي منبهة:
-
يبدو أن توشك على المغادرة.
انتبهت إلى ذلك التعليق واستغرقني الأمر نصف دقيقة حتى أحيط بمبناه وإن غاب عني معناه، فقلت متسائلا:
-
أغادر!! إلى أين؟
أطلقت تلك الضحكة العذبة التي تجعل قلبي في كل مرة يسمعها موشكا على القفز من صدري مرتحلا إليها، وقالت بصوت أكسبته لهجة متعاطفة:
-
إلى عالم الأرز بالحليب.
ضحكت مرة أخرى وهي تردف:
-
يمكنك أن تذهب للنوم ونكمل حديثنا غدا.
-
لا ... أنا مستيقظ وبقوة.
-
هل أنت متأكد؟
-
أجل!
صمتت للحظة ثم قالت:
-
لأضمن ذلك سأحكي لك قصة رعب حقيقية حدثت لجارتنا.
أطلقت ضحكة ساخرة ضايقتها فأبدت تبرما طفوليا محببا ... ولكنني عندما فكرت للحظة وجدت أن الفكرة لا بأس بها، فالقصة لن ترعبني بحال ولكنها سترعبها هي وسأبدو ساعتها شجاعا صنديدا لا أخشى شئ وأنا أحاول بعث الطمأنة في نفسها ... فقلت مبديا الاهتمام:
-
فكرة رائعة، هي هات ما عندك.
حاولت أن تجعل صوتها مرعبا فزاده ذلك لطفا وعذوبة وهي تقص علي تلك القصة المرعبة قائلة:
-
أنت تعرف جارتنا (أم سعيد) تلك التي حضرت خطوبتنا العام الماضي ... منذ شهور قليلة ماتت إبنتها ذات الأعوام الستة، صدمتها سيارة وهي تعبر الطريق أمام المدرسة ... لم تتحمل المسكينة فقدان إبنتها الوحيدة فحزنت حزنا شديدا ودخلت في نوبة هستيرية شديدة من الصراخ والبكاء تلتها حالة من الذهول، وتحولت إلى نبتة بشرية، لا تنتبه لما حولها، ولا تنطق إلا باسم ابنتها الذي تردده طوال الوقت، وكأنها صارت في عالم آخر غير عالمنا ... والأغرب أنها بعد الدفن مكثت بجوار القبر لثلاثة أيام وليال متواصلة، ولم يفلح أحد في دفعها للمغادرة بأي وسيلة، ثلاثة أيام كاملة امتنعت فيها عن الأكل والشرب وحتى الكلام وهي تنظر إلى قبر إبنتها تناجيها حتى غابت عن الوعي فحملوها إلى منزلها، وهي على تلك الحال منذ ذلك الحين.
شعرت بأن هذه القصة غير حقيقية وأن خطيبتي تختلق أحادثها اختلاقا، فقلت:
-
هل انتهت القصة ... إنها غير مرعبة بالمرة؟
-
لا ... بل بدأت للتو!
ثم استطردت قائلة:
-
أنت تعرف إن منزلنا بجوار المقابر ... في تلك الليلة كنا جالسين في غرفة المعيشة عندما سمعنا صوت بكاء طفلة يتردد في الجوار وكأنه قادم من الخلاء أمام المنزل ... أنا لست متطيرة بطبعي ولكنني عرفت هذا الصوت إنه صوت بكاء بنت جارتنا (أم سعيد) المتوفاة.
قلت ساخرا:
-
وتقولين إنك لست متطيرة.
فتجاهلت السخرية في كلامي وهي تقول:
-
وتكرر ذلك في الليالي التالية، وزاد على البكاء تلك الكلمات الملتاعة (أمي ... أين أنت يا أمي!) ... بعض الرجال الشجعان خرجوا للبحث عن مصدر الصوت وجميعهم لاحق المصدر إلى داخل المقابر قبل أن يفشل في العثور على صاحبته.
صمتت للحظة كنت قد بدأت أشعر بالتوجس بالفعل، فقلت متلهفا:
-
وماذا حدث بعدها؟
-
استمر الحال لعدة ليال لم نذق فيها طعم النوم، وكانت جارتنا (أم سعيد) في منزلها غائبة عن الوعي لا تشعر بما يحدث، حتى اختفى الصوت وتوقفت تلك الظاهرة من تلقاء نفسها.
كنت أشعر بالقليل من الخوف وببعض القشعريرة تعبث بأقدامي، قد يكون ذلك بسبب جلوسي عليها لفترة طويلة أو بسبب القصة والتي بدت لي الآن مرعبة بالفعل ... عموما سأدعي أنني لست خائفا وأن تلك القصة لم تحرك شعرة واحدة في جسدي، وذلك رغم أن جو الرعب حاضر تماما في ذلك المقر الصحراوي البعيد عن أي عمران حيث أعمل في مناوبات نصف شهرية، وحيث لا يوجد أحد غيري سوى القلة من العاملين ورجال الأمن المنحوسين أمثالي، والذين يختفون جميعهم تماما بعد الغروب ولا يمكن الاستعانة بأيا منهم إذا احتجت له.
مبكرا وقبل الفجر بساعتين أنهيت حديثي مع خطيبتي التي اكتشفت فيها بعدا جديدا الليلة، هو أنها تستطيع أن تكون مرعبة .. كان لدي بعض الأعمال أريد الانتهاء منها قبل النوم، فتمنيت لها بصوت مرعب أحلاما سعيدة لا تزورها فيها بنت (أم سعيد) المتوفاة والتي تبحث عن أمها، أنا أيضا استطيع أن أكون مرعبا إذا أردت.
بعد ساعة بلغ مني الأرهاق مبلغا وثقل جفناي، ووقررت أن أخلد إلى النوم ... كنت على فراشي في تلك الحالة الأثيرية المخدرة التي تسبق النوم، وفجأة وصل إلى مسامعي ذلك البكاء، تنبهت مرة واحدة وتأكدت بالفعل أنه صوت بكاء، بكاء طفلة صغيرة، والأغرب أن الصوت يعلو كأن صاحبته تقترب، أصبت بحالة شديدة من الرعب اعتقد أن لون شعر رأسي قد حال كله للأبيض سأتفحص ذلك في المرآه عندما ينتهي ذلك لو قدر له الانتهاء ... تسائلت، من أين أتت تلك الطفلة الباكية في تلك المنطقة النائية؟ لا يوجد قرى أو مدن قريبة ولا مضارب لقبائل البدو ولا أماكن للرعي، نحن هنا في قلب الصحراء في منطقة أقرب للعدم، ولولا أعمال التعدين في بطن تلك الأرض البكر لما أنشأ هذا المقر، لما جئ بأمثالي إليه.
كان الصوت يتعالى وبدأت ألاحظ أن البكاء تتخلله بعض الكلمات (أمي ... أين أنت يا أمي!) ... اللعنة إنها تلك القصة اللعينة تتكرر معي الآن ... كان الصوت قد صار قريبا جدا وكأنه الآن داخل المقر ... حدثتني نفسي بأن أفعل أشياء كثيرة ولكن الرعب الذي تملكني أعجزني عن أي فعل ... كان صوت البكاء قد صار الآن أمام غرفتي تماما، وبدأت تلك الطرقات العنيفة على بابها، انكمشت في فراشي وأنا أصرخ:
-
أرحلي أيها اللعينة، أمك ليست هنا!
دق جرس الهاتف مرة واحدة فسقطت من فوق الفراش فزعا، قبل أن اعتدل والتقط (السماعة)، كان ذلك هو صوت خطيبتي وهي تقول بصوت متثائب:
-
منك لله، لقد جائتني في الحلم تسأل عن أمها.
لم أعرف بماذا أرد، فقد كان صوت البكاء المرتفع والطرقات على الباب يكادان يمزقان خلايا عقلي، ولكنها سبقتني وهي تقول:
-
لماذا أنت صامت؟ لا تقلق لقد تخلصت منها!
صرخت فيها بحثا عن حبل للنجاة من هذا المأزق المخيف:
-
تخلصت منها!! ... كيف فعلت ذلك؟
-
طلبت منها أن تتركني وتذهب إليك؟ ... تستحق هذا العقاب على سخريتك من قصتي!
قبل أن تردف:
-
لماذ لا ترد؟ ... لماذ لا ترد؟ ... أين ذهبت؟
.... )
تمت( ....
 للمزيد زوروا صفحتنا لقراءة المزيد من قصص الرعب ...
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق