قصة رعب بعنوان ... (القرية – الجزء
الثاني)
ملخص ما سبق ... شاب يعمل في توصيل الطرود، يجد نفسه في مهمة عمل
لتوصيل طرد غامض إلى قرية مجهولة في منتصف الصحراء، قبل أن تتعرض سيارته لحادثة مريبة
كان بطلها شبح أسود ظهر فجأة أمامه في منتصف الطريق، جعلته تلك الحادثة مضطرا
للإقامة يومين في تلك القرية، بين أهلها الودودين، المرحبين، لولا ذلك الطفل
القبيح، الأعور، الذي يفاجأه في غرفته ... رابط الجزء الأول
...
شعرت بالتوتر وأنا أحدق
في ذلك الطفل الذي يجلس على فراشي عابثا، وهو ينظر لي تلك النظرات المرعبة، أتساءل
كيف وصل إلى هذا المكان؟ وكأنه ظهر من العدم فجأة، لقد كنت منتبها إلى باب الغرفة
طيلة الوقت، كيف فعلها!؟
-
ماذا
تفعل هنا أيها الصغير!؟ ما الذي جاء بك إلى هنا!؟
نظر لي بعينه الواحدة دون اكتراث، ثم التفت والتقط روايتي
البوليسية التي كانت ملقاة على الفراش، فصحت به آمرا بصوت حاولت أن أجعله حازما،
فخرج مرتعدا، خائرا:
-
اترك هذه
أيها الصغير، وعد إلى غرفتك فورا.
ألقى الطفل الرواية على الأرض، وتوجه إلى خارج الغرفة بخطوات
عرجاء، وهو يركز عينه الواحدة على وجهي ... تنحيت جانبا حتى أسمح له بالمرور إلى
الخارج، لا أعرف لماذا شعرت بتلك المشاعر السلبية، الباردة، تكتنف أوصالي عندما مر
ذلك الطفل بجانبي، مشاعر غريبة، مختلطة، برد يثير الرعدة في جسدي، ويأس، وحزن،
وكآبة، يسيطرون على باطني، شعور استمر حتى غادر الطفل الغرفة واختفى في الممر.
-
هذا
الطفل ليس طبيعيا!
نطقت بها وأنا التقط الرواية من على الأرض، قبل أن أصرخ بفزع:
-
اللعنة!
فعلى غلاف الرواية كانت هناك آثار احتراق تلتهم ورقته ... آثار
احتراق تمثل خمسة أصابع ... أصابع طفل!
***
تنحرف السيارة بقوة، وأفقد السيطرة عليها وهي تندفع نحو التلة
الرملية وتصطدم بها بعنف، يرتطم رأسي بالمقود، فتزوغ المرئيات أمام ناظري، أشعر
بأني موشك على فقدان الوعي، يقترب ذلك الشبح الأسود من السيارة بخطوات بطيئة، إنه مغطى
من رأسه حتى إخمص قدميه برداء أسود يعلوه غطاء رأس يخفي وجهه بنفس اللون، يحدق في
من خلف غطاء الرأس عبر زجاج السيارة المحطم، قبل أن يرفع الغطاء عن رأسه فتتكشف معالم
وجهه المرعبة ... سحقا ... ما هذا الكائن المرعب!؟ الذي يحدق في بعينين بلون الجمر،
بمعالم وجه كقطع من الفحم المشتعل المتراصة إلى جوار بعضها، ويبرز من شقوقها خيوط
من النار والدخان.
يتحدث إلى ذلك الكائن بصوت رغوي، معدني، كأنه يخرج من مكبر صوت،
أو من أعماق بئر عميق:
-
مرحبا ...
لقد انتظرناك لأعوام طويلة!
أصرخ بقوة واعتدل في فراشي، وأنا ارتعد بشدة، وقد غطى العرق كل
ذرة من كياني، ما هذا الحلم الرهيب!؟ هل كان حلما حقا!؟ أم هي ذكرة غامضة أخفاها
عقلي الواعي رحمة بي، وأعادها عقلي الباطن، العابث إلي في نومي ... هل هذا ما تعرضت له
حقا بعد الحادثة، وقبل أن أغيب عن الوعي!؟ أم هي مجرد خيالات ملعونة ... التقطت
كوبا من الماء البارد من فوق الكومود إلى جوار فراشي، وتجرعته مرة واحدة، ثم
عدت إلى النوم، وأنا أدعو الله ألا أرى ذلك الحلم مرة أخرى.
***
في الصباح مر علي الشيخ
(حسان) ليصحبني فيى جولة في القرية، سألته عن هاتف استطيع أن أتحدث به إلى
المدينة، فاعتذر لي بأنه لا يوجد هاتف في القرية بأكملها، كما أن أبراج المحمول لم تعرف
طريقها إلى هذا المكان أبدا، قبل أن يسألني:
-
هل تريد
أن تطمئن أهلك؟
فأجبته بنبرة حزينة:
-
لا ... أنا
يتيم بلا أهل ... يقولون أنهم عثروا علي رضيعا أمام أحد الملاجئ، حيث عشت، وترعرعت،
بين دور الأيتام، حتى حصلت على شهادتي المتوسطة، وتمكنت من العثور على عمل استطيع
به أن أبدء حياة جديدة، مستقلة، وأقيم في غرفة متواضعة بإيجار معقول.
أنا لست منفتحا على الناس بطبعي، وعادة لا أحكي قصة حياتي لأي
إنسان أقابله مرة أو مرتين، لهذا وجدت الأمر غريبا وأنا أخبر الشيخ (حسان) بكل تلك
المعلومات عن نفسي:
قال الشيخ (حسان):
-
أنا آسف
يا بني ...
-
لا داعي
للأسف، تلك هي حياتي، وقد اعتدتها، ولم أعد أراها بذلك القبح.
صمت للحظة، ثم أردفت:
-
كنت أريد
الهاتف لأخابر رئيسي في العمل وأعلمه بما جرى، حتى لا يجد غيابي فرصة ليرفدني من
العمل ... فهو شخص كريه، يحلو له مضايقة الناس ورفدهم لأتفه الأسباب.
***
كانت الجولة في القرية قصيرة، فالقرية
صغيرة، ولا يوجد بها الكثير من المعالم، قمنا في البداية بعدة زيارات لكبرائها الودودين في منازلهم، وشربنا درزينة من أكواب الشاي والعصير، وأطباق الحلوى
... ثم مررنا على مرعى الأغنام والماشية، وباحة الأبل، وحديقة النخيل، وانتهينا
إلى عين الماء ... ولكن ما أثار دهشتي حقا، هي تلك الشجرة العملاقة القريبة من العين،
شجرة ضخمة، محيط جذعها يربو على الخمسة أمتار، تمتد جذورها وتشق الأرض في مواضع
كثيرة مكونة شبكة عملاقة حولها، أما فروعها فتتدلى من أعلى حتى تمس الأرض، التي تغطت
عن آخرها بثمار الشجرة الجافة التي سقطت عن فروعها، ثمار صغيرة جافة تشبه (النبق).
قال الشيخ (حسان) وقد تنبه إلى دهشتي:
-
إنها (أم الشعور).
-
ماذا؟
-
هذه الشجرة نسميها (أم الشعور) ... يقولون أن عمرها ألف
عام، وهي هنا منذ البداية وقبل أن يصل أي إنسان إلى تلك الأرض.
قلت بانبهار، وأنا أتفحص ضخامتها وتشابك
فروعها وجذورها، وثمارها التي غطت الأرض بسجادة كستنائية:
-
إنها رائعة.
-
بالفعل إنها كذلك.
توجهنا بعد ذلك إلى ورشة (الشرقاوي)
ليصعقني منظر سيارتي وقد أخرجت كل ما في جوفها على أرض الورشة، طمأني هذا الأخير،
بأنه لا داعي للقلق، فالسيارة بخير رغم أن منظرها يبدي غير ذلك، وبأنه سينتهي من
تصليحها بعد يومين على الأكثر.
***
يوم آخر قضيته في القرية كسابقه، انتهى
بي في المساء في فراشي أنازع الأفكار وأجاهد الأرق، وأحاول الحصول على قدر من النوم
الخالي من الكوابيس ... قاطع كل ذلك، تلك الدقات على باب الغرفة، فكرت أنه بالتأكيد ذلك
الطفل القبيح يفعلها ثانية، لقد شعرت بالحرج من أن أشكوه اليوم إلى الشيخ (حسان)،
ولكن لو كان هو، أقسم بالله أن أفعلها غدا.
فتحت الباب، فلم أجد أحدا خلفه، ممدت
رأسي إلى الممر ونظرت فيه، فوجدته يقف هناك في آخره يشير لي أن ألحق به، فصحت به:
-
ماذا تريد!؟
لم يجب علي، ولم يبد عليه أثر أنه
سمعني من الأساس، ولكنه أشار لي للحاق به مرة أخرى، ثم توجه إلى صحن الدار ... لحقت
به بعد ثوان من التردد، غلب فضولي خوفي، أريد أن أعرف سر هذا الطفل، وما الذي
يريده مني بحق!
عندما لحقت بالطفل إلى صحن الدار، لم
أجده هناك، ولكنني رأيت باب الدار مفتوحا، فتوجهت منه إلى الخارج، للحظة
واحدة لمحت الطفل يجري ويختفي في قلب الظلام، فلحقته، سرت لمسافة ثم توقفت عندما
أضعت أثر الطفل، فكرت أن أعود للدار، ولكن الطفل ظهر من جديد على مسافة ليست بالبعيدة
يشير لي بنفس الطريقة أن ألحق به، وهكذا ظللت أتبع الطفل حتى وصل بي إلى عين الماء،
وهناك وقف ينتظرني حتى وصلت إليه ... توقفت أمامه وسألته بأنفاس لاهثة من أثر
الجري:
-
من أنت!؟ ولماذا تطلب مني اللحاق بك!؟
كعادته لم يجب الطفل على سؤالي ولكنه
توجه إلى (أم الشعور)، وأزاح فروعها الممتدة، ثم جثم على الأرض بين شبكة جذورها المتشابكة،
وجذب شيئا لم انتبه إليه في البداية، ولكن عندما اقتربت عرفت أنه حلقة حديدية، تفتح كوة تؤدي
إلى نفق أسفل الشجرة مباشرة ... نظر لي الطفل نظرة أخيرة ثم دلف إلى النفق عبر تلك
الكوة، وهو يشير لي للحاق به.
-
لا هذا
كثير! أعصابي لن تتحمل المزيد!
قلتها وقد عزمت على أن أوقف تلك المهاترات، وأنا ارتد على عقبي،
عازما العودة إلى الدار وإيقاظ الشيخ (حسان) من نومه لأبحث عنده عن إجابة على كل
تلك الألغاز التي تحاصرني ... ولكن قبل أن أخطو خطوة واحدة في طريق العودة، وجدته
يقف هناك يقطع على الطريق، ويحدق في بنظرات قاسية، مهددة، لا تحمل خيرا!.. مرة
أخرى يثير هذا الطفل فزعي، ويعبث بسكينتي، لقد رأيته بأم عيني وهو يدلف إلى النفق
من ثانية واحدة، فكيف به يقف أمامي الآن يسد على طريق العودة!؟ أي طفل ملعون هذا!؟
.. (نهاية الجزء الثاني – يليه الجزء
الثالث) ..
#هيثم_فاروق #القشعريرة
مذهلة
ردحذف