- نوميديا
تقف الاميرة (رادنا) ذات الجمال النوميدي الرائع علي قمة القصر الابيض في شرفة تظهر كل سهوب نوميديا ممشوقة القوام ذات ملامح جميلة رائعة يشع شعرها بلونه الاسود عيناها رماديتان و بشرتها البيضاء الناصعة كأنها قدمت من حكايات الماضي السحيق لطالما اعتبروها من نسل السربيلاتون المنقرضين منذ الالاف السنين و لكنها لم ترتدي يوما ثياب الاميرات تتقلد سيفها و ترتدي تلك الثياب التي تدل علي محاربة جميلة تعلمت الرماية بشكل بارع تركب الخيول الوحشية لتروضها عنيدة مقاتلة لم تهتم بأي امر من امور النساء و الزواج حاول الكثيرون ان يتقربو منها طمعا بالزواج كانت نهايتهم تهشيم عظامهم او الاهانة و السجن كان اخوها الامير (اماياس) هو من دربها علي القتال شاب عشريني طويل القوام مفتول العضلات ذا لحية فضية و جدائل تنحدر علي كتفيه يخشاه الجميع لسرعة غضبه و انفعاله رغم ذلك كان مقربا جدا من الجميع و كان الاخ الاقرب لقلب رادنا اما (دارا) متوسط القامة قوي البنية ذو لحية سوداء كثة كان الاكبر و ولي العهد كان داهية في الحروب و اكثر ابناء الملك حكمة رغم انه ابن جارية و رغم انه كذلك اعطاه والده ولاية العهد ولاية عهد الملك (يوبا) الثالث صاحب الستين عاما حكم ارضه و جعل منها جنة من جنان ليريا عدوه الاول امبراطور الشمال (اجليداس) ،كان يوبا ملكا عظيما اغدق علي شعبه بالنعم مدينة اريناس تشهد بهذا بشوارعها المرصوفة باللون الابيض و مبانيها الشاهقة الملتصقة بجبل اردو كانت منيعة قوية تشهد بقوة نوميديا بين الممالك التسعة لم يكن لملك ان يورط نفسه بحرب مع نوميديا الا ملك الشمال و لم يكن لاحد ان يغامر بقتال اماياس او دارا الا (اجيلاس) الابن الاكبر للامبراطور و عاشق الاميرة رادنا التي كانت تحتقره فقد كانت تحب شخصا اخر شخص تراه في احلامها فقط و تبحث عنه في واقعها الممل .
فارس قبيح الخلقة يتقدم بجواده المليء بالشعر نحو اريناس يعبر حقولا خضراء و مراعي جميلة فلاحون يزرعون الارض و سواقي توزع المياه لقد بهر بهذه البلاد كان الجميع يرمقه بنظرات الغل لكن عادات اهل نوميديا توجب عدم ايذاء الغرباء ، كعادة اهل ليموريا يرتدي ذاك الفارس ثياب المحاربين طوال الوقت كانت من فرو الدببة و الذئاب الجبلية العملاقة مع دروع من جلد الماعز و الابقار الوحشية متدثرا بفرو ثعلب ليموري اسود ليحميه صقيع ليموريا بقي بثيابه التي شعر بالحر وهو يرتديها في هذه البلاد كان يراقب عن كثب تلك الاراضي و المراعي و النساء الجميلات اللاتي لم يكن قد راي بجمالهن في اي مكان من قبل اما من مر بهم عرفوا انه ليموري و انه رسول الملك الشمالي وانها بداية حرب .
- قصر الملك
الاميرة تراقب من قمتها في الاعلي كانت تملك عيني صقر فقد لاحظت ذاك الفارس القادم بجواد ليموري بشع و خمنت انه رسول الشمال فاتجهت الي داخل غرفتها حيث جلست تفكر قليلا نظرت الي مرآتها و غرقت في ذاك الحلم الغريب اللذي رأته الليلة الماضية نهضت و اتجهت نحو قاعة العرش حيث الملك يوبا بجسده الممتلئ و تجاعيد السنوات الستين تملأ وجهه المضيء كانت ثيابه كمدينته بيضاء زاهية علي صدره وسام الملك رمز مملكة التنين نوميديا في قاعة الملك عرش الملك لم يكن كأي عرش كان له راس تنين يظلل الملك مصنوع من الذهب و الفضة ، بينما وصل الفارس بوابة المدينة كانت بوابة عملاقة تفتح صباحا ليخرج الناس لاعمالهم خارج المدينة و ليقدم الفلاحون الي اسواق اريناس بمنتجاتهم كان للمدينة اسواق عديدة ،اقترب الفارس من حرس البوابة و قد ظهر علي وجهه علامات العجرفة و الخيلاء :
- انا رسول الامبراطور المعظم اجليداس هلا رافقني احدكم للقصر لاوصل رسالة مليكي الي ملككم .
اجابه احد الحراس مضطرا :
- سارافقك انتظرني احضر حصاني .
انطلق الفارس النوميدي امامه و من خلفه الرسول تعمد الفارس ان يمر من طرق تظهر عظمة اريناس اسواق شتي و صناعات حربية سيوف و رماح و صناعات اخري مصوغات و حرفيون و مصنوعات خزفية و اسواق طعام و خضار و تلك النوافير التي تغدق بالماء و حدائق و جنان وسط الجبل عدا عن ذلك القصر الشاهق ذو الابراج انه قلعة منيعة جنود نوميديا مدرعون و ذو نظام عالي التسليح سيوفهم و رماحهم الطويلة و خيولهم الرشيقة انهم شعب قوي بالفعل لولا كبرياء الليموريين لكان رد فعل ذاك الرسول الخوف و الهرب من المهمة علي ان يورط شعبه مع هذا الجيش .
في تلك الاثناء دخل اماياس قاعة العرش حيث وجد رادنا تحدث اباها بامر الفارس اللذي قدم من ليموريا كان ممتقع الوجه.
- ما بك يا اماياس هل من خطب ؟
- ابي لقد وصل رسول من ليموريا ومعه رسالة يطلب ان يسلمها لك.
- دعه يدخل لا ضير من سماع و معرفة ما يريد اجليداس.
- لكنني موقن انه جاء يحمل الوعيد و التهديد .
ابتسم الملك و اردف :
- وهل سنهرب من وعيده هل سيرهبنا مجرد كلام الرسل.
نظرت رادنا لاخيها ثم اضافت :
- انه هنا ليمهد لحرب ضروس عبر امر اعرفه .
- ما هو هذا الامر يا رادنا ؟
- المصاهرة !!!......، اتسعت عينا اماياس ليردف :
- اي مصاهرة هذه ماذا تقصدين ؟
- بالتاكيد لن يزوجك احدي بناته البشعات عنوة سيطلب يدي لابنه المغرور .
- هذا لن يتم ابدا …. ، قالها الصوت القادم من بوابة القاعة كان صوت دارا ولي العهد و اكثر رجال نوميديا بأسا ثم اردف :
- لن يتزوج اختي احد من المخنثين لن يكون زوجها الا ملكا عظيما …. ، ثم ابتسم و وضع ذراعه علي كتف اخيه و اردف :
- اطمئن يا اخي الحكيم (امسناو) سيحضر الرسالة انه خلفي.
في تلك اللحظات وصل الحكيم للقاعة حاملا تلك الرقعة الجلدية كتب فيها باللغة الشمالية كلمات يجيد الحكيم ترجمتها فقد استحق لقب الحكيم لقد كان رغم كل شيء رجلا محنكا و بالغ الدهاء بهي الطلعة له من الحضور ما يشبه حضور الرهبان جاء بتلك الرقعة بعد ان امر باطعام الليموري و تركه يرتاح في جناح الضيافة بالقصر بينما يري الملك شأن الرسالة.
- تانيراي
مرتفعات تانيراي هي بوابة الجحيم لصحراء قاحلة تقبع خلفها بدون دليل صحراء ستضيع و ستتناهش لحم جثتك العقبان عدا عن ذئاب الصحراء و الافاعي السامة لكن رجلا اصابه الهزال في خطوات واهية يتقدم نحوها دون اكتراث كان جلده قد تشقق من مشقة السفر عبر تلك الاراضي بأسماله البالية ينحدر من اخر مرتفع من تلك المرتفعات ليتركها خلفه و يخطو اولي خطواته في تلك الصحراء يخفي وجهه بلثام ازرق قاتم حتي لا تلفح الشمس المحرقة وجهه كان يمرر لسانه الجاف علي شفتيه المتعطشتين للماء لكن قربة الماء النحاسية لن تكفيه طويلا اذا افرط في الشرب وضع قطع خبز يابس في فمه و لاكها ثم ابتلعها كان قاصدا مدينة تالا يحلم بالوصول الي اقصي الجنوب.
في تلك الاثناء رسالة الشمال تقرأ بصوت مسموع علي الجميع في تلك القاعة المهيبة:
- من الملك الاعظم ملك الشمال امبراطور ليموريا اجليداس الي يوبا الملك تحية و بعد اشرفك برسالتي و اتمني ان تعي هذا الشرف فتدفع ما كان يؤديه ملوك نوميديا من ذهب لملوك الشمال في قديم الزمان و ان تسلمني حصن الجحيم العظيم قرب حدود ليموريا .
انتفض الملك يوبا في غضب و قال :
- وقح من يظن نفسه ؟
اكمل الحكيم امسناو القراءة في وجل و صوت خفيض :
- و ساشرفك بان تكون ابنتك زوجة لولدي اجيلاس لعل حفيدا منها يجعل الدولتين دولة واحدة .
لم يحتمل اماياس كلمات الرسالة استل سيفه ذي النصلين اللذي صنع من معدن النيازك المعروف بسيف (السماء) و انطلق الي حيث الرسول لولا ان اخاه دارا امسك به و هو علي وشك قطع راس الرجل اللذي كان يرتعد من الخوف بينما ظهر من خلفهما الحكيم في يده رسالة اخري خطت بلغة نوميديا التي كونت من ابجدية متناسقة خطت علي ورق ابيض ناصع سميك لم يعرف اي احد من سكان ليريا سر صناعة هذا الورق كتب فيها الرد الواضح لا طلبات لا شروط لا خضوع توهجت عينا الرسول في غضب وهو يتجه نحو الباب مغادرا قبل ان يلتفت و يقول بصوت منخفض خائف :
-لن تعجبكم جيوش ليموريا ولا حتي ما يعده الامبراطور لكم .
تمتم بهذه الكلمات المبهمة التي وصلت مسامع الجميع.
في تلك الاثناء كان الرجل ذو الاسمال في قلب صحراء تانيراي يجاهد عطشه يكاد يهلك قبل ان يلمح جوادا اسود عليه فارس يرتدي درعا نقش عليه رسم الاسد كان الفارس يلف رأسه بعمامة سوداء كعادة اهل تانيراي و يتقلد سيفا معقوفا في نهايته علي عكس كل اسلحة اهل ليريا قاطبة سيفا يعرفه جيدا فقد كان ملكه (الاسد) هكذا اسمه.
فكر الرجل ان ما يراه سراب لا اكثر لولا ان الغبار ملأ المكان خلف الفارس حيث ظهرت فرقة كاملة من الفرسان المدرعين يحملون رايات الاسد تقدم الفارس نحوه و وقف بحصانه محاذيا له ثم وجه الحديث له :
- من انت يا رجل وماذا تفعل في هذه الانحاء ؟
اجاب بغير اكتراث و بشيء من الخيلاء يثير التعجب :
- حقا انت لست سرابا تسأل من انا و ما افعل و انا صاحب كل هذه الارض .
- انت تهذي ما اللذي تقوله ايها الابله .
نظر الرجل الي الفارس من تحت اللثام الازرق ثم اردف :
- (المخلب) بن ذي الرمح ألست هو يا فارس تانيراي الشجاع.
- من انت يا هذا من اين تعرف اسمي ثم دعني ادقق في وجهك ازح لثامك .
ازاح الرجل لثامه فظهر وجهه المكفهر المغبر بجرح قديم يمتد من فوق حاجبه حتي اسفل خده و تلك العيون الذهبية و اللحية ذات الشعر الاسود القاتم و الشارب الضخم المعقوف في جانبيه .
- انه انت انه انت فعلا فلا شك في ذلك ابدا .
- نعم انه انا هل ظننت ان الحروب ستقتل رجلا مثلي لولا الغدر لولا الخيانة لما كان حالي هكذا .
---------------------
#ليريا_تأليف_رضوان_عياد_صفحة_القشعريرة
شكر خاص لصديقي منصف عرابي مصمم خريطة ليريا .
نهاية الجزء الثاني يليه الجزء الثالث ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق