الأحد، 31 ديسمبر 2017

قصة رعب بعنوان ... أخيرا رأيت (سانتا)!




قالت له أمه:
-          لا تتحمس وتبتعد كثيرا ... أنت تعرف عاقبة الأطفال المتحمسين الذين يبتعدون عن منازلهم في هذه الأيام.
فأجاب بلا مبالاة:
-          كما تريدين.
هذه هي الأيام التي تنتشر فيها روح الأعياد، هذه هي الأيام التي تجتمع فيها الصلات والأواصر وتتوطد، وتبذل فيها الأخلاق والأعمال النبيلة، ويتنافس فيها الجميع في فعل الخيرات ... ولكن في مدينته الصغيرة الأمر يختلف بعض الشئ، فقد عاش الجميع هنا تجربة مروعة في العامين االماضيين، تجربة حفرت في نفوس  الآباء والأمهات قناعة بأن هناك خطرا كبيرا على الأطفال يحل مع تلك الليلة ... ولما لا، ففي العام الماضي اختفى طفلين في هذه الليلة، والعام الذي يسبقه اختفى طفل آخر، وفي صبيحة اليوم التالي بدل من أن يتناول الناس إفطارهم العائلي، ويتناولون الحلوى، ويتبادلون التهاني، ويفتحون هداياهم المكدسة أسفل شجرة (عيد الميلاد)، قضوا يومهم في البحث عن الأطفال الضائعين، قبل أن ييئسوا من العثور عليهم في هذا اليوم، وفي كل يوم لاحق، لقد اختفى الأطفال إلى الأبد ...
هو لن يبتعد بالتأكيد، فلديه خطة أخرى لهذا العيد، لديه خطة للقاء (سانتا) ... ورغم أن عمره قد تجاوز الأثنى عشر عاما، ومن هم في سنه توقفوا تماما عن الاعتقاد في وجود (سانتا)، ذلك العجوز الطيب ذو اللحية البيضاء التي تتدلى حتى كرشه الضخم الممتلئ، وملابسه الحمراء، وقبعته المميزة، وهو يقود عربته الثلجية التي تجرها الوعول، فيحل في كل ركن من العالم، ليمنح الطفل المهذب هديته، هدية عيد الميلاد ... هو لا يحمل ذرة من الشك في وجود (سانتا)، فهو قد رأى بعينيه قزم من أتباعه بملابسه الحمراء والخضراء، في ردهة منزله العام الماضي، قبل أن يهرب ذلك القزم عبر المدفأة عندما أحس بوجوده ... الليلة لن يهرب منه، الليله سيقبض عليه، وسيطلب منه أن يصحبه إلى (سانتا) ليراه بعينيه، ويسلم عليه، ويطلب منه هديته بنفسه ...
خطته بسيطة للغاية، ولكنها فعالة، سيجلب علبة هدايا ضخمة، ويزينها، ويضعها أسفل شجرة (عيد الميلاد)، فتبدو كهدية بريئة من ضمن الهدايا، وعندما يأوي الجميع إلى أسرتهم، سيتسلل هو إلى شجرة (عيد الميلاد) ويختفي داخل اللعبة، ويكمن فيها ويلتزم الصمت، حتى تصل أقزام (سانتا)، وتدلف إلى المنزل عبر المدفأة، حينها سيقفز من العلبة، ويفاجئهم، ويطلب منهم اصطحابه إلى (سانتا)، بالتأكيد (سانتا) ينتظرهم بجوار المنزل في عربته الثلجية ...
في تلك اللحظات هو يجلس داخل العلبة، بعد أن نفذ خطته بحذافيرها، وهو الآن يرهف السمع منتظرا اللحظة المناسبة، بعد لحظات تورت أعصابه فهو يسمع الآن أصوات في الخارج، أصوات رفيعة تحمل نبرة أنفية، هو يعرف أصحابها، إنهم الأقزام بالتأكيد، لقد نجحت خطته، نجحت تماما:
-          يا هوووووو ... أنا هنا!
صرخ بها، وهو يقفز خارج العلبة، قبل أن تتوقف الكلمات على فمه بعد أن وقعت عيناه على خمسة أقزام، يتحركون ويفتشون ردهة المنزل ... توقف الأقزام عما كانوا يفعلونه، وهم ينظرون نحوه في دهشة ... في البداية كانت ابتسامة النصر والسعادة ترتسم على وجهه، ولكنها سرعان ما غابت، عندما تنبه إلى مجموعة من الأشياء بخصوص تلك الأقزام، أولا ملامحهم المرعبة الوحشية ، وأعينهم الجاحظة المخيفة، وأظفارهم المدببة، والطويلة، والملتوية، وكذا أسنانهم البارزة المهترأة التي تبرز من أفواههم في نهم، أما عن ملابسهم الحمراء، والخضراء فالحقيقة أنها لم تكن ملابس كما حسب في العام الماضي، ولكنها كانت ألوان جلودهم الحمراء التي يشوهها عروق بارزة خضراء اللون تزيد من قبحهم ... وتنبه أيضا إلى أنهم يحملون بعض الأجولة كانوا يسرقون فيها بعض الأطعمة والحلوى المتبقية في المكان ويضعونها داخلا ... كان ذلك كافيا لآن يهم بالصراخ عاليا، لولا أقرب الأقزام الذي قفز عليه، وكمم فمه بأصابعه المعروقة، المرعبة، قبل أن يلحق به الأخرون، ويتكالبوا عليه ويقيدون ساعديه، وقدميه، ويكممون فمه، ويلقون به داخل أحد الأجولة ويحكمون إغلاقه ...
لم يغب عن الوعي، كان يشعر بهم، وبفرحتهم بالقبض عليه، وهم يصيحيون، ويصرخون صرخات ظافرة تشبه أصوات قطيع من الذئاب قبضت على فريستها ... كان يشعر بهم وهم يحملونه إلى أعلى عبر المدفأة، ويتقافزون به فوق المنازل لمدة دقائق، حتى وصلوا به إلى مكان مغلق ودافئ، فألقوا به على أرضه الخشبية في عنف ... طيلة الوقت كان يقاوم ويحاول الخروج من الجوال ولكنه عجز عن ذلك تماما، ولكن في تلك اللحظة انفتح الجوال، فكان أول ما طالعه هي تلك الأقزام التي تتقافز حوله في نشوه وقد انضم إليهم العشرات من جنسهم ... فجأة لمحه، لمحه بجسده الضخم وملابسه الحمراء المعروفة، قبعته المميزة، فتمتم في انبهار، وقد نسى ما هو فيه من خطر:
-          (سانتا) ... أهذا أنت!؟
التفت إليه ذلك العملاق ذو الملابس الحمراء، واللحية البيضاء الطويلة، فانطلقت صرخاته مدوية، لم يكن شكله (كسانتا) الذي تخيله دائما في مخيلته، لقد كان وجهه مرعبا، وشيطانيا، وقبيحا أكثر من تلك الأقزام، كان يحمل عينين ككرتين من السواد بلا أي بقعة من البياض، كانت أنيابة بارزة، طويلة، تمتد على جانبي فمه، كان شيئا رهيبا، ومخيفا، شئ لم ير مثله في حياته، ولا حتى في ألعن أفلام وقصص الرعب التي يهواها، إنه الرعب الحقيقي، المجسد، الرعب الذي تظن أنه غير موجود في هذا العالم، فيفاجئك بوجوده على مسافة دقائق من منزلك ... تحرك ذلك العملاق نحوه في خطوات ثقيلة، فانتبه في تلك اللحظة، إلى ماكان يفعله، لقد كان عاكفا على (قدر) ضخم يغلي فيه الماء، ويضع فيه بعض حبيبات الخضار الطازجة، (قدر) ضخم يكفي لطهو إنسان بأكمله ... يقترب منه ذلك (السانتا) الشيطاني، فيحاول الهرب، فتطبق عليه الأقزام المنتشية وتكبل حركته، قبل أن يقبض (سانتا) على كلتا قدميه، ، بكف عملاقه كمضرب (التنس)، ويسحبه على الأرض الخشبية، عائدا به إلى (القدر) الذي يغلي فيه الماء الآن، والأقزام تتراقص حوله في نشوة، لقد كانوا يأملون في سرقة بعض بقايا الطعام، فنجحوا في الحصول على ما يكفي لوليمة كبيره، يرفعه (سانتا) فوق (القدر) من قدميه، كأنه دميه صغيره، فيلفح جسده البخار المتصاعد من (القدر) ... يحاول المقاومة لثوان، قبل أن تهمد مقاومته ويستسلم لمصيره، يفكر في تلك اللحظة أنه رغم ذلك المصير وتلك النهاية، فأنه نجح أخيرا في أن يرى (سانتا)!
..(تمت)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق