السبت، 23 ديسمبر 2017

قصة رعب بعنوان ... (المقتحمون – الجزء الأول)


** إعلان (أسود) على الإنترنت العميق ... أحيانا تخسر شخصا عزيزا لديك، شخصا تحبه، شخصا تختل حياتك بعد رحيله ... تخسره دون حتى أن تودعه، يخطفه منك الموت فجأة ودون أي مقدمات، شئ محزن بحق، شئ قد يحول حياتك القادمة إلى جحيم من التساؤلات التي لن يمكنك الإجابة عليها أبدا، تتمنى لو ودعته، لو قلت له أنك تحبه، تتسائل هل كان يحبك عند رحيله، وهل ندم على لحظة واحدة كان فيها بصحبتك ... نحن نقدر كل هذا ونقدم لك الحل الوحيد، والأخير ... يمكننا أن نعيد لك هذا الشخص، لتراه بعينيك، وتمسه بكلتا يديك، بل وتتحدث إليه وتستمع لرده، وللفترة التي تريدها، يمكنك كل هذا وأكثر، فقط تواصل معنا على الرابط أدناه، لتعرف الشروط والقواعد، وحقق المستحيل **
...
تعليقات على الإعلان تتهم أصحابه بالنصب والاحتيال، وتعليقات تتهمهم بالكفر، والهرطقة، تعليقات ساخرة وأخرى غاضبة تفيض بالسباب واللعنات، يليها  بعض الخبرات لناس جربوا هذه الخدمة، إمرأة تقول:
-          أنا جربت تلك الخدمة فأعادت لي زوجي المتوفي بعد ساعات من موته ... أعلم أنه هو، أنا لن أخطئ التعرف على زوجي الذي قضيت معه عشرين عاما من عمري، حتى ولو بدا مختلفا قليلا، فهذا أمر طبيعي فتجربة الموت التي عاشها كانت رهيبة، أشعر بذلك رغم أنه لم يتحدث معي عنها أبدا ... يومين كاملين أقامهما معي في المنزل دون أن يشعر أحدا من الأسرة بذلك، أخبرني بكل ما كنت أريد سماعه، وعندما حان موعد الرحيل، ودعته وداعا حميما، وأنا أشعر بالراحة فالآن يمكنني أن أكمل حياتي ورحلتي، حتى يأتي اليوم الذي ألحق به هناك ...
تعليقات على التعليق، تصف المرأة بأنها عاهرة وأن من أقام معها لم يكن زوجها، وبأنها نصابة وتقتسم الأرباح مع أصحاب الخدمة النصابين، بالأضافة إلى التعليقات الأخرى الغاضبة التي تصفها بالكفر، والهرطقة، والمرض النفسي ... خبرة أخرى لرجل جرب الخدمة يقول:
-          مات شريكي في العمل، وكنت قبل أيام من موته قد سلمته مبلغا ماليا ضخما وبعض الحلي ليبيعها من أجل تطوير أعمالنا، ولكن بعد موته لم أجد أثرا لذلك المال في مكتبه ولا في منزله، ساعدتني أسرته في البحث ولكن دون جدوى ... جربت تلك الخدمة، فعاد لي شريكي ليوم واحد، أخبرني أنه اخفى المال في خزينة جدارية سرية بشقة زوجته الثانية التي كان متزوجا بها سرا ... لم يكن الأمر سهلا ولكنني حصلت على مالي في النهاية.
يلي ذلك أيضا، عشر صفحات من التعليقات وأطنان من السباب، والتقذيع،  والشتائم بكل اللغات واللهجات ...
***
-          توقف يا دكتور (سالم) لقد مات...
همست بها الممرضة في أذن الطبيب الشاب فتجاهلها وهو يواصل بعصبية إنعاش قلب ذلك المريض الذي توقف تماما كما يشير ذلك الخط الضوئي المتصل وذلك الأنين الذي يصدره جهاز قياس نبضات القلب ... حاول لدقائق أخرى، ثم بدأت حماسته تفتر تدريجيا، قبل أن يتوقف عن محاولاته، ويرخي كتفيه وهو يحدق نحو الأرض في يأس وإحباط ... تقاطرت منه قطرات العرق وأخذ يلهث لدقائق، حاول بعض زملائه مواساته بالتربيت على كتفيه، وأخبره أحدهم:
-          فعلت كل ما في وسعك يا (سالم).
-          لقد فقدت مريضي.
لم تكن هناك علاقة خاصة تربط الدكتور (سالم) بالحاج (علي) ذلك المريض الكهل الذي جاوز السبعين عاما، ودخل إلى المشفى منذ أسبوعين للعلاج من مضاعفات مشاكل الكبد، ومرض السكري، وكان (سالم) هو المسئول عن حالته، التي انقلبت فجأة، مع تلك الأزمة القلبية التي أصابته دون مقدمات وأدت إلى توقف قلبه في النهاية، رغم كل محاولات الانعاش التي حاول طبيبه القيام بها.
ألقى (سالم) نظرة أخيرة على مريضه، وتابع العمال وهم يصطحبونه على السرير المعدني المتحرك نحو المشرحة، ليبقى بها حتى يأتي أهله لاستلام جثمانه من أجل إجراءات الدفن ... توجه بعدها (سالم) إلى غرفة الأطباء، إنه المساء، وهو قد جاوز وقت العودة إلى منزله بعدة ساعات، ولكنه كان مرهقا فقرر أن يخلع حذاءه ويريح جسده على الفراش لدقائق، يستجمع فيها بأسه، وراحته النفسية حتى يستطيع قيادة السيارة نحو المنزل البعيد عن المشفى ... بعد دقائق قليلة، غلبه إرهاقة فغاب في النوم، وعندما استيقظ كانت الساعة قد جاوزت الثانية صباحا، نظر في ساعته، وأطلق سبه غاضبة، ونهض بسرعة، وارتدى حذاءه، وهو يهم بمغادرة المكان، فجأة وصل إلى مسامعه صوت خطوات ثقيلة، تسير في الممر وتقترب من باب غرفة الأطباء ... شعر بالدهشة، ففي هذا الوقت يكون المشفى خاليا إلا من بعض رجال الأمن وبعض الأطباء المناوبين، قد يكون هذا أحدهم ... ترقب في قلق صوت الخطوات حتى توقفت أمام الباب، ثم فتح الباب ببطئ، قبل أن تنطلق صرخته عالية وهو يقول بدهشة:
-          مستحيل ... الحاج (علي)، هل أنت حي!
فأمامه كان مريضه الكهل يقف عاريا، وهو يحدق به بعينان زجاجيتان ... توقف الزمن للحظات، ثم تقدم الحاج (علي) إلى داخل الغرفة خطوتين، فاقترب منه (سالم) في فضول، وهو يقول:
-          هل أنت بخير حقا!؟ ... و
ولكنه لم يكملها، ففي تلك اللحظة أنقض عليه الحاج (علي)، أنقض عليه كوحش مفترس، يطبق على فريسته.
***
هناك فارق بين اللحاد، وحارس القبور، فارق كبير لا يدركه الكثيرون ... هو حارس قبور أو خفير كما يدعوه الجميع، ويعمل في هذه المهنة، وفي تلك المقابر منذ أكثر من ثلاثين عاما، رأى فيها ما رأى، وخبر فيها ما خبر ... واجه الذئاب، والثعالب وبنات آوي من تلك التي تحاول نبش القبور، وقبض على عدد من لصوص القبور ممن يبيعون أعضاء الموتى للطلاب وتجار الأعضاء، يذكر يوما واجه فيه ضبعا أشهب بيديه العاريتين وقتله، الآن أصبح لا شئ قادرا على أن يخيفه، بل هو يظن أن الأشباح، وأرواح الموتى تهابه، وتخشى حضرته..
يجلس الآن أمام غرفته الحجرية التي تواجه المقابر، في تلك الليلة الليلاء بلا ذرة واحدة من القمر، يشعل نارا ويصنع كوبا من الشاي،ويستمع إلى الراديو الصغير الذي يحمله في جعبته دائما، هو لم يدخل عصر المحمول والتقنيات الحديثة، هو يرفض ذلك تماما، ويعتبرة ميوعة، ودلع، وقلة أدب ... فجأة عبر شبح وسط شواهد القبور، فتنبهت حواسه مرة واحدة، فقفز من مجلسه كالملسوع، وهو ينطلق مطاردا ذلك الشبح ... يلمحه مرة أخرى وسط صفوف القبور القبلية، فيصرخ بحدة:
-          أنت هناك .. توقف مكانك!
ثم يعدو ناحية آخر مكان لمح فيه الشبح، هو الآن يسير وسط قبور عائلة (السرجاني)، ولكنه لا يلمح أي اثر لذلك الشبح الذي اختفى تماما وسط الظلام ... يتنبه إلى أن مدخل أحد القبور مفتوحا، وهو متأكد من أنه كان مغلقا هذا الصباح، يتوجه إلى ذلك القبر وهو يقول بحذر:
-          هل هناك أحد هنا!؟
ينحني ويوجه ناظريه إلى داخل القبر، فلا يرى شيئا، يجثو على ركبتيه ويمد رأسه داخل القبر ليرى ما فيه، قبل أن تنطلق شهقته الفزعة عندما تقبض يدين قويتين على رقبته، وتسحبه إلى داخل القبر، لترتفع صرخاته للحظات قصيرة، قبل أن تتوقف ويسود السكون المكان ...
***
 ألقى الدكتور (كمال عثمان) نظرة على الجثة المسجاة على طاولة المشرحة، قبل أن يشيح ببصره، وهو يحمي أنفه وفمه بمنديله القطني من أثر الرائحة النفاذة، هو لم يكن يوما من محبي النظر إلى الجثث، ولكن إصرار إبن أخته على أن يجلبه إلى المشرحة الحكومية ليلقى نظرة على تلك الجثة بالذات، جعلته يقبل ... سأله النقيب (محسن) بفضول:
-          هل تستشعر شيئا مريبا يا دكتور (كمال)!؟
استند الدكتور (كمال) على كتفي النقيب (محسن) فهو ما زال يشعر بالدوار من رائحة المطهرات القوية، فقاده الأخير إلى خارج المكان، فأعاد هواء الشتاء المنعش خارج المشرحة النشاط إلى الدكتور (كمال)، الذي قال وهو يجلس إلى جانب النقيب (محسن) في سيارته:
-          لماذا لا نتقابل في ظروف طبيعية أبدا يا ابن أختي!؟... لماذا لا تزورني في (فيلتي) وأزورك في بيتك زيارات أسرية عادية!؟... لماذا تكون المشارح، وأماكن الجرائم، وقباء الأشباح والعفاريت هي أماكن لقائاتنا الدائمة!؟
ابتسم النقيب (محسن) وهو يقول:
-          هذا ليس ذنبي يا خالي ... فلست أنا الذي ...
ثم توقف عندما لم يجد الكلمة المناسبة، وشعر بالإحراج، فرفع عنه الدكتور (كمال) العناء متجاوزا إشارة إبن أخيه بغير قصد إلى أنه يحيا حياة غير طبيعية، وهو يقول:
-          لا ... لم استشعر شيئا.
توقف لحظة ثم قال بفضول:
-          ما قصة هذا الشاب، صاحب الجثة!؟
زفر النقيب (محسن) زفيرا طويلا، ثم أجاب:
-          هذا الشاب هاجم عامل في محطة بنزين، دون أي مقدمات وبدون سبب واضح ... يقول العامل أنه لم يحاول السرقة، ولكنه كان يحاول خنقة وهو يزوم كالضواري.
-          وهل قتله العامل؟
-          يقول العامل أنه هرب منه إلى داخل غرفة للتخزين، فلاحقه الشاب وحاول اقتحام باب الغرفة لدقائق، قبل أن تنتبه دورية للشرطة قريبة للمكان إلى تلك الجلبة، فقدموا إلى المكان بسرعة وقبضوا على ذلك الشاب الذي قاومهم كثور هائج قبل أن يكبلوه ويلقوه في سيارة الدورية ... ولكن عندما وصلوا إلى أقرب نقطة للشرطة، كان ذلك الشاب قد مات ...
سأله الدكتور (كمال):
-          هل بسبب العنف أم بسبب أزمة قلبية!؟
حدق النقيب (محسن) في وجه خاله لثوان، ثم عاد ينظر إلى الطريق أمامه، وهو يقود سيارته عائدا إلى (فيلا) الدكتور (كمال)، قبل أن يقول:
-          هنا اللغز الحقيقي ... فبعد أن قام الطبيب الشرعي بفحص جثة الشاب اليوم، جاء التقرير بأن الشاب مات بسبب حادثة نتجت عنها إصابات قاتلة في رقبته وفي الناحية اليمنى من صدره وبطنه.
-          وما هي المشكلة!؟
-          يقول التقرير أن حالة الجثة تنبئ بأن الموت حدث منذ ثلاثة أيام.
توقف التقيب (محسن) لحظة، ثم أردف:
-          في حين أن الواقعة التي أحكيها لك، والتي كان هذا الشاب بطلها حدثت بالأمس فقط.
اتسعت عينا الدكتور (كمال) وأومأ براسه متفهما، فأضاف النقيب (محسن):
-          وهناك شئ آخر.
-          ما هو!؟
-          أحد الجنود الذي شاركوا في اعتقال هذا الشاب، اختفى تماما، ولم نستطع الاتصال به أو التواصل معه بأي طريقة بعد تلك الواقعة.  
.. (نهاية الجزء الأول – يليه الجزء الثاني) ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق