خططت على أرض الغرفة بالطبشور، خمس دوائر متباينة ومتحدة المركز، تقطعها خمسة خطوط قطرية، فتقسمها إلى العشرات من القطاعات الدائرية الصغيرة، رسمت داخل كل قطاع منها ذلك الرمز أو الحرف الذي بينته الصورة في الرق الجلدي الذي وجدته داخل كتاب السحر العتيق ... أكملت باقي الطقوس الموضحة تفصيليا بالكتاب، وضعت صورة زوجتي اللعينة في مركز الدوائر وعلى ظهرها اسمها مكتوب بطريقة عكسية، وسحبت تلك المعز، وكبلت قوائمها الأربع، وكممت فمها، وأسجيتها بجوار الدائرة، فالكتاب أوضح ضرورة وجود أضحية حية لإقامة اللقاء مع (الشره) .... من حسن حظي أنني وحدي في المنزل هذه الليلة، فزوجتي عند أبيها، والخدم في إجازة، فلن يتفهم أحد تلك (المعز) التي جلبتها معي إلى غرفة مكتبي، ولا تلك الأشياء التي سأفعلها، وتلك التعاويذ التي سأتلوها ...
أمسكت بالكتاب وأخذت أتلو منه تلك الكلمات التي تدعوه للحضور بصوت مرتعش، كررتها عدة مرات وانتظرت، أعصابي تحترق، وأطرافي ترتعد في جنون في كل مرة أقيم فيها تلك الطقوس ... في المرة الأولى التي فعلتها كاد قلبي يتوقف عن النبض، وأغشي علي بعد اللقاء، أنا أتوقع ما سيحدث الآن، ولكنني لا استطيع السيطرة على أعصابي وفرائصي المرتجفة، بعد قليل ستزداد برودة الغرفة تدريجيا حتى تتحول إلى ثلاجة، ثم سيبدء ذلك الظلام في التجمع في ركن الغرفة ثم يمتد مبتلعا معالم الغرفة حتى يصل إلى تلك الدوائر، حينها ستبرز عينا (الشره) من كبد الظلام، ببياضهما اللامع، وبريقهما المرعب، بلا حدقة، وكأنهما طاقتين تطلقان فيضا من الأشعة الحارقة، فتنفذ إلى داخل روحك فتسحقها، ثم يتعبق المكان بتلك الرائحة النتنة، المقبضة، ورائحة الكبريت الخانقة، حينها ينطق (الشره) بذلك الصوت الشيطاني الرهيب الذي تشعر أنه يخرج من حنجرة سبكت بلظى الجحيم، صوت يقضي على النذر اليسير الباق من سيطرتك على نفسك، فتنهار وتسقط على الأرض، وأنت تسمعه يقول:
أنا جائع.
ثم يتحرك الظلام حتى يغطي الدوائر، والأضحية المسكينة، التي تشعر برعب لا يقل عن رعبك ولكنها لا تملك فعل شئ مع تلك القيود التي تكبل فمها وأقدامها، يبتلع الظلام الأضحية، وتختفي عينا (الشره)، وترتفع أصوات التمزيق والألتهام الوحشية، والمرعبة، ثم يتوقف كل شئ، ويبدء الظلام في الانحسار والتراجع، حتى يختفي تماما، فلا يتبقى، إلا تلك الدوائر والعلامات على الأرض، التي تغطيها دماء الأضحية المسفوحة، بعد أن اختفى كل أثر لها وللصورة التي وضعتها أنت في منتصف تلك العلامات ... يستغرقك الأمر دقائق حتى تتمالك نفسك وتستطيع النهوض، أنت الآن تعلم أن اللقاء قد تم بنجاح، وأنها أيام قليلة حتى يظفر (الشره) بصاحب الصورة فيمحو أثره من هذه الحياة، فعلتها مع زميلك السمج في العمل الذي كان يهددك بإبلاغ المدير عن إختلاساتك، وسرقتها، وفعلتها مع المدير نفسه، ونجحت في كلتا المرتين، وها أنت تفعلها مع زوجتك اللعينة، التي تكرهها من كل قلبك، تكره غطرستها، وتكبرها وتعاليها عليك، وتذكيرها الدائم لك بأنها رضت بك فقيرا وهي بنت الثراء والعائلات، وبأنها رفعتك من أدنى المراتب وأحط المساكن إلى سكنى القصور ومخاطبة الصفوة وأهل الحظوة ... أنت تكرهها لذا قررت أنت تضع حدا لحياتها، حينها ثروتها التي تغيظك بها ستكون لك، تستمع بها وحدك ودون منغصات ... عليك الآن أن تنظف المكان من الدماء، وتعيد كتاب السحر العتيق، إلى العلية، وتخفيه هناك وسط الكراكيب والأثاث القديم، حيث وجدته للمرة الأولى بعد سنوات من انتقالك للإقامة في ذلك القصر، يبدو أن صاحب القصر السابق كان ساحرا او مشعوذا ... تعرف ما ستفعله بعد ذلك، ستتذرع بشئ ما من زوجتك وأهلها وتسافر إلى خارج البلاد في الأيام القادمة، ولا تعود إلا بعدما تتأكد من موتها، حتى تحجب الشبهة عنك، تحجبها تماما ...
مرت أربعة أيام على اللقاء مع (الشره)، حين وصلك ذلك الهاتف المذعور من أبي زوجتك، يخبرك في فزع، أنهم لا يجدوا أثرا لزوجتك، سمعوها بالليل تصرخ في غرفتها، صرخات فزعة مذعورة، صرخات من يتم تمزيقه حيا، وعندما فزعوا إلى غرفتها لم يجدوا لها أثرا، ووجدوا الدماء تغطي كل شئ بالغرفة، دماؤها ... حينها ستصرخ، وتبكي، وتنوح، وتنهار، وستعود إلى البلاد وتمثل الحزن والضياع أمام الجميع، سترسم ملامح الأمل الحزين على وجهك وتصرخ في الوجوه بأنك واثق أن زوجتك حية في مكان ما، ثم ببراعة ممثل قدير ستنحسر ملامح الأمل عن وجهك، وتحل محلها ملامح اليأس والقنوط، ملامح من قبل بما لا يرضى، ستزرف أنهارا من دموع التماسيح أمام الجميع حتى يصدقوك ويرثوا لأجلك، ويتسابقون لمواساتك، ولكن عندما ستعود إلى قصرك ليلا، ستضحك، وتقهقه، وتغني بفرح فقد نجحت خطتك، نجحت تماما ...
يرن الهاتف في غرفة مكتبك، فترد متململا:
من؟
أنا (عبد السميع) الجزار ياباشا.
تسأله بضيق:
وماذا تريد يا (عبد السميع)؟
فيطلق ضحكة سمجة ويجيب بصوت الجهوري:
سيادتك لم ترسل لي ثمن زوج (المعز).
تسأله بعدم فهم:
لقد أخذت منك واحدة فقط، وسأرسل لك ثمنها غدا، و ..
فيقاطعك بسرعة قائلا:
وزوجتك طلبت الثانية بعد ذلك بيوم أو يومين، وأرسلتها حية إلى القصر كالعادة.
لن تسمع كلمة مما سيقوله بعدها، وستغلق الهاتف بآلية، وأنت تفكر بحيرة، لماذا طلبت زوجتك (معز) حية، ولماذا جلبتها إلى القصر ... تدفعك الشكوك إلى الصعود إلى العلية بحثا عن كتاب السحر العتيق، فلا تجده في الموضع الذي أخفيته فيه هناك ... تصاب بالجنون والهستيرية، وتبحث عنه في كل أرجاء المنزل، حتى تجده داخل خزانة ملابس زوجتك، مخبأ وسط حاجيتها، تتضاعف حيرتك، وتسأل نفسك بصوت عال:
ماذا يفعل كتاب السحر وسط حاجيات زوجتي الملعونة!؟ ولماذا جلبت (معز) حية إلى القصر!؟
ثم تفهم كل شئ فجأة، تفهمه في نفس اللحظة التي تستشعر فيها البرد الذي بدء يزحف على الغرفة، وذلك الظلام الذي يتكون في طرف منها، ثم يربو كالضباب فيغطي كل معالمها، تعرف الحقيقة وتفهمها مع تلك الرائحة الكريهة التي تعبق المكان، تلك الرائحة التي تعرفها جيدا ... تنظر بفزع إلى الظلام الذي يحاصرك من كل اتجاه، قبل أن تبرز عينا (الشره)، وهو يقول لك بصوته الشيطاني الرهيب:
أنا جائع.
حينها ستعلم يقينا أن زوجتك كانت تكرهك كما كرهتها ، وأنها كادت لك بنفس الطريقة التي كدت لها بها، وأن المصير الذي تلقاه الآن، هو مصير تستحقه ...
.. (تمت) ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق