قصة قصيرة بعنوان شريكة الغرفة
أضغط هنا لسماع القصة مقروءة بصوت أسماء الباسيوني
أنا فتاة شابة، أدرس بالصف الثالث في كلية (الآداب)، بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية ... عشقي الخاص هو ذلك النوع الحريف من الأدب، أدب الرعب، أتابع جميع إصدارات الرعب الحالية، سواء كانت روايات أو قصص أو حتى دوريات، وألاحق وأقرأ كل ما تخطه أقلام كتابه المشاهير من الأحياء، في الواقع لقد قرأت أغلب ماصدر عن عظماء ذلك النوع من الأدب منذ بدايات هذا القرن وحتى يومنا هذا ... في الأيام الأخيرة بدأت تراودني الشكوك تجاه ذلك! خصوصا بعدما حدث في الأيام الأخيرة!
هذا هو عامي الأول الذي أقيم فيه بنزل الطالبات الكفيفات بالجامعة، أقيم في غرفة مزدوجة وحدي لحين قدوم شريكتي في الغرفة ... أجل أنا كفيفة، حقيقة تعايشت معها منذ الصغر، عندما بدأ نظري ينزوي تدريجيا وينحسر ويحل بدلا منه ذلك الظلام حتى سيطر على عالمي تماما، أجل أنا كفيفة، ولكنني أمتلك قدرا من الحواس والإدراك لا يمتلكه الآخرون، أغذي عقلي بالثقافة والعلوم والآداب حتى صرت موسوعة متحركة كما يصفني أصدقائي، وزملائي في الجامعة ...
في الأيام الأخيرة تنتابني تلك المشاعر والهواجس بأنني لست وحدي في الغرفة، أشعر أن هناك من يراقبني، أحيانا استيقظ من نومي وانا أشعر أنا هناك من كان يهمس في أذني ... منذ يومين أفزعني صوت سقوط كتاب على أرضية الغرفة، فأعدته إلى مكانه، أنا واثقة من أني وضعته في مكان لا يجعله يسقط بسهولة، فهل سقط من تلقاء نفسه، أم أن هناك من فعلها ... أضع الأشياء في أماكنها المعتادة فيتغير موقعها، أنادي مشرفة الدور وأسألها عن ذلك فتنفي أنها فعلته ذلك، أطالبها بالبحث في غرفتي فتخبرني أنه لا شئ غير عادي بها ... أحاول أن أتجاهل الأمر وأتناساه، فتكتفني تلك المشاعر بأنني لست وحدي في الغرفة، بالأمس وصل إلى مسامعي المرهفة صوت أنفاس متحشرجة تصدر من مكان قريب في الغرفة، أفزعني ذلك بشدة، فصرخت:
- من هناك!؟ من أنت!؟ ماذا تريد مني!؟
ولكنني لم أتلق إجابة، واختفى الصوت، فصرخت بفزع على مشرفة الدور فجاءتني مهرولة، فسالتها:
- هل هناك أحدا معي في الغرفة!؟
بحثت فيها قليلا ثم أخبرتني أنه لا أحدا هناك ... كنت في حالة سيئة من الرعب الهستيري، فطمأنتني، وأخبرتني أن شريكتي في الغرفة ستلحق بي بعد أيام قليلة، وهي فتاة لطيفة ومهذبة، وسبق لها أن أقامت بالنزل في الأعوام الدراسية السابقة ...
الآن في تلك اللحظات أجلس في غرفتي وأشعر أن هناك من يجلس معي، ويراقبني، أحاول أن أقنع نفسي بأن هذه مجرد هواجس وألعاب عقلي الباطن الذي يحاول أن يعبث بأعصابي ومشاعري ... فجأة سمعت دقات على باب الغرفة، فطلبت من الطارق أن يدخل، كانت فتاة شابة، سألتني بأدب:
- هل هذه هي غرفة (سميرة حسن).
- لا يا صديقتي، غرفة (سميرة) في نهاية الممر.
شكرتني بأدب وهي تغلق الباب وهي تقول:
- شكرا لكما وعذر على إزعاجكما.
أغلقت الفتاة الباب وذهبت ... انتصب شعر رأسي لقد كانت تلك الفتاة تتحدث بصيغة المثنى، فهي تقول (لكما)، لقد رأت شخصا آخر معي في الغرفة ... نهضت بسرعة متوجهة إلى الباب، حاولت فتحه فكان الباب مغلقا بالمفتاح، بحثت عن المفتاح في ثقب الباب، وعادتي أن أتركه هناك، فلم أجده ... فجأة شعرت بتلك البرودة تكتنف أطرافي، وذلك الحضور المقبض يجثم على روحي، وتلك الأنفاس اللاهثة، المتحشرجة تحرق رقبتي، فصرخت:
- من أنت!؟
جاءني ذلك الصوت الأنثوي، العابث، الذي يحمل نبرة شيطانية مرعبة:
- أنا (سارة)، زميلتك في الغرفة، ألم يخبروك بذلك.
أخذت أصرخ صرخات طويلة مولولة، وأنا أشوح بكلتا يداي في الهواء محاولة إتقاء ذلك الخطر الذي لا أراه ... ثم سقطت على الأرض وأنا أبكي في فزع ... انبعثت أصوات خطوات قادمة من الممر ثم انفتح الباب ودخلت بعض المشرفات إلى الغرفة، عاونتني إحداهن على النهوض وهي تسألني عما جرى، فأجبتها:
- هناك فتاة معي في الغرفة.
أخبرتني المشرفة:
- لا يوجد أحد هنا يافتاتي ... أنت هنا وحدك!
وأضافت مشرفة أخرى:
- أجل أنت هنا وحدك ... ولحسن حظك لن ينضم إليك أحدا هذا الفصل.
سألتها بقلق:
- ولكنك كنت تقولين أن شريكتي في الغرفة ستنضم بعد أيام قليلة.
ردت علي المشرفة بصوت اكتسى بنبرة حزينة:
- لا ... للأسف لن تتمكن من ذلك ...
- لماذا؟
- لقد تعرضت المسكينة لحادثة مروعة أودت بحياتها.
شعرت بغصة في حلقي وألم في معدتي، وأنا أسأل:
- هل ماتت؟
- نعم ...
صمتت للحظة، قبل أن تردف:
- هيا عودي إلى فراشك يا فتاة، لا يوجد هنا ما يدعو للقلق.
صحبتني المشرفة إلى فراشي، وتوجهت إلى باب الغرفة، ولم تنس أن تلق علي تحية المساء، سمعتها وهي تبتعد وهي تتحدث إلى زميلتها:
- المسكينة (سارة) ، من كان يتوقع أن يحدث لها ذلك.
.. (تمت) ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق